للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وشرع القاضى كريم الدين عبد الكريم ـ ناظر الخاص ـ فى تجهيز ما يحتاج إليه، وخرج إلى ناحية سرياقوس وصار يقف وهو مشدود الوسط أو يجلس على كرسى، وسائر أرباب الوظائف فى خدمته وهو يرقب الأمور، فعمل عدة قدور من فضة ونحاس تحمل على البخاتى ليطبخ فيها، وأحضر الخولة لعمل مباقل وخضروات ورياحين ومشمومات فى أحواض خشب لتحمل على الجمال وتسقى طول الطريق، ويؤخذ منها كل يوم ما يحتاج إليه، ورتب الأفران وقلائى الجبن وصنّاع الكماج (١) والسميذ وغير ذلك مما يحتاج إليه، وأعطى العربان أجر الجمال التى تحمل الشعير والبشماط والدقيق، وجهز مركبين فى البحر إلى الينبع ومركبين إلى جدة، بعد ما اعتبر كلفة العليق بأوراق كتب فيها أسماء اثنين وخمسين أميرا، منهم من له فى اليوم مائة عليقة، ومنهم من له خمسون، وأقلّهم من له عشرون عليقة، فكانت جملة الشعير المحمول مائة ألف أردب وثلاثين ألف أردب.

وجهز من الشام خمسمائة جمل تحمل الحلوى والسكردانات (٢) والفواكه وحضرت أيضا حوائج خاناه على مائة وثمانين جملا تحمل الحب رمّان واللوز وما يحتاج إليه فى الطبخ، سوى ما حمل من الحوائج خاناه من القاهرة، وجهز ألف طائر أوز وثلاثة آلاف طائر دجاج.

فلما تهيأ ذلك ركب السلطان مستهل ذى القعدة، ومعه المؤيد ـ صاحب حماة ـ وقاضى القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعى بعد ما مهدت عقبة أيلة من الصخور، ووسع مضيقها بعد ما كان سلوكه صعبا، وفتح مغارة شعيب.

فلما قدم مكة أظهر من التواضع والذلة والمسكنة أمرا زائدا، وسجد عند معاينته البيت سجود عبد ذليل، ثم التفت إلى الأمير بدر الدين جنكلى بن البابا، وقال: «لا زلت أعظّم نفسى حتى رأيت البيت فذكرت تقبيل الناس الأرض لى، فدخل قلبى مهابة عظيمة لم تزل حتى سجدت لله تعالى شكرا».

وتقدم إليه ابن جماعة وحسّن له أن يطوف راكبا فإن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ طاف راكبا، فقال: «يا قاضى، ومن أنا حتى أتشبه بالنبى صلى الله عليه وسلم؟ والله لا طفت إلا كما يطوف الناس»، فطاف من غير أن يكون معه أحد من الحجاب، فصار الناس يزحموانه ويزاحمهم كواحد منهم حتى قضى طوافه وسعيه.


(١) مفرده كماجة، وهى لفظ فارسى، يعنى الخبز الشديد البياض يعجن بغير خميرة ويخبز على الرماد.
(٢) لفظ فارسى مركب، يعنى الوعاء المستعمل لحفظ الحلوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>