للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الهدى، ومنار سبل التقى، كم قصم الله به من منافق طاغ، وفاسق باغ وأرباع أملاع، فهم السادة القادة الذادة، بنو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنزل جبريل بالتنزيل، لم يسمع بمثل العباس، لم تخضع له الأمة إلا لواجب حق الحرمة، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبيه، وإحدى يديه، وجلدة ما بين عينيه، والموثق له يوم العقبة، وأمينه يوم القيامة، ورسوله يوم مكة، وحاميه يوم حنين عند ملتقى الفئتين، والشافع يوم نيق العقاب، إذ سار رسول اللهصلى الله عليه وسلم قبل الأحزاب. أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.

ويقال إن سديف بن ميمون، كان فى حبس بنى أمية، وذلك أنه كان يتكلم فى بنى أمية ويطلق فيهم لسانه ويهجوهم. وكان له فى الحساب فيما يزعمون نظر، وفى الأدب حظ وافر. وكان يجلس مع لمة له من أهل مكة وأهل الطائف، يسمرون فى المسجد الحرام إلى نصف الليل ونحوه، فيتحدثون ويخبرهم بدولة بنى هاشم إنها قريبة، فبلغ ذلك من قوله، الوليد بن عروة، وهو على مكة واليا لمروان بن محمد، وسمعت بعض أهل الطائف يقول: فاتخذ عليه الأرصاد مع أصحابه حتى أخذوه، فأخذه فحبسه، ثم جعل يجلده كل سبت مائة سوط، كلما مضى سبت، أخرجه يضربه مائة سوط، حتى ضربه أسبتا، فلما آل الأمر لبنى هاشم، وبويع لأبى العباس السفاح بالخلافة، بعث داود ابن على بن عبد الله بن عباس، فقدم مكة يوم الأربعاء سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فلما سمع الوليد بن عروة السعدى بداود بن علىّ، أنه يريد مكة، أيقن بالهلاك، فخرج هاربا إلى اليمن، وقدم داود بن علىّ مكة، فاستخرج سديفا من الحبس، وخلع عليه وأخلده، فعند ذلك يقول سديف قصيدته التى يمدح بها بنى العباس (٥) [من الخفيف]:

أصبح الدين (٦) ثابت الأساس ... بالبهاليل من بنى العباس

ثم وضع داود بن علىّ المنبر، فخطب فأرتج عليه، فقام إليه سديف، فخطب بين يديه الخطبة التى ذكرناها.

وذكر الفاكهى أن سديفا مكى، وذكر له شعرا يدل على أنه قطن بمكة؛ لأنه قال: وكان بعض المكيين يجلس عند هذين الحوضين الشرقى منهما، قال سديف بن ميمون يصف جلوسه عندهما [من الطويل]:

كأنى لم أقطن بمكة ساعة ... ولم يلهنى فيها ربيب منعم

ولم أجلس الحوضين شرقى زمزم ... وهيهات أينا منك لا أين زمزم


(٥) انظر القصيدة فى الأغانى ٤/ ٣٣٩.
(٦) فى الأغانى:
أصبح الملك ثابت الأساس

<<  <  ج: ص:  >  >>