يحن فؤادى إن سهيل بدا له ... وأقسم أن الشوق منى لمنهم
وذكر صاحب العقد شيئا من خبر سديف، لأنه قال: الرياشى عن الأصمعى قال: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، فبايعه أهل المدينة وأهل مكة، وخرج إبراهيم أخوه بالبصرة، فتغلب على البصرة والأهواز وواسط، قال سديف بن ميمون فى ذلك [من البسيط]:
إن الحمامة يوم الشعب من حسن ... هاجت فؤاد محب دائم الحزن
إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا ... بعد التباعد والشحناء والإحن
وتنقضى دولة أحكام قادتنا ... فيها كأحكام قوم عابدى وثن
فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا ... إن الخلافة فيكم يا بنى حسن
لا عد ركنا يزيد عند نائبة ... إن أسلموك ولا ركنا ذوى يمن
ألست أكرمهم قوما إذا نسبوا ... عودا وأنقاهم ثوبا من الدرن
وأعظم الناس عند الناس منزلة ... وأبعد الناس من عجز ومن أفن
فلما سمع أبو جعفر هذه الأبيات، استطير لها، فكتب إلى عبد الصمد بن علىّ، بأن يأخذ سديفا فيدفنه حيّا، ففعل. قال أبو الفضل الرياشى: فذكرت هذه الأبيات لأبى جعفر، شيخ من أهل بغداد، فقال: هذا باطل، الأبيات لعبد الله بن مصعب، وإنما كان سبب قتل سديف، أنه كتب أبياتا مبهمة، فكتب بها أبى جعفر، وهى:
أسرفت فى قتل الرعية ظالما ... فاكفف يديك إخالها مهديها
فلتأتينك راية حسنية ... جرارة يقتادها حسنيها
فقال أبو جعفر لخازم بن خزيمة: تهيأ للسفر مبكرا، حتى إذا لم يبق إلا أن تضع رجلك فى الغرز، ائتنى، ففعل. فقال: انطلق إلى المدينة، فادخل مسجد النبىصلى الله عليه وسلم، فدع سارية وثانية، فإنك تنظر عند الثالثة، إلى شيخ آدم اللون طوال، يكثر التعتب، فأجلس إليه، فتوجع لآل أبى طالب، واذكر شدة الزمان عليهم ثلاثة أيام، ثم قل له فى اليوم الرابع: من يقول هذه الأبيات:
أسرفت فى قتل الرعية ظالما
قال: ففعل، فقال له الشيخ: إن شئت أنبأتك من أنت. أنت خازم بن خزيمة، بعثك إلىّ أمير المؤمنين لتعرف من قال هذا الشعر، فقل له: جعلت فداك، والله ما قلته، وما قاله إلا سديف بن ميمون، وإنى أنا القائل، وقد دعونى للخروج مع محمد بن عبد الله ابن الحسن [من الطويل]:
دعونى وقد شالت لإبليس راية ... وأوقد للغاوين نار الحباحب