للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال رضى الله عنه: قال لى فى بلاد العجم: إنك ستلقى القطب فى الديار المصرية، فخرجت لذلك، فبينما أنا فى بعض الطريق، إذ خرج علىّ جماعة فأمسكونى وكتفونى، وقالوا: هذا جاسوس، فقال بعضهم: نقتله. وقال بعضهم: لا. فبت مكتوفا وبقيت أفكر فى أمرى، وما بى جزع الموت، وإنما أن أموت قبل أن أعرف ربى؟ فنظمت أبياتا وضمنتها قول امرئ القيس، ومن جملة أبياته الذى ذكر، هذان البيتان [من الوافر]:

وقد وطأت نعلى كل أرض ... وقد أتعبت نفسى باغترابى

وقد طوفت بالآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب

فما أتممت الإنشاد، حتى انقض علىّ رجل صفته كذا وكذا، كانقضاض البازى. وقال: قم يا عبد الله، فأنا مطلوبك، وحل كتافى. فلما قدمت الديار المصرية، سمعت بشيخ يقال له أبو العباس المرسى. فلما رأيته، عرفت أنه الذى أطلقنى، ثم تبسم وقال لى: لقد أعجبنى إنشادك وتضمينك، وقولك كذا وكذا ليلة أسرت. فصحبه ولازمه إلى أن توفى، ثم أمر الشيخ نجم الدين بالذهاب إلى مكة، فجاور بها إلى أن مات رضى الله عنه.

قال: ومن كرامات الشيخ نجم الدين: أنى رأيته فى النوم بعد موته، وكنت مضرورا إلى حاجة تعسرت علىّ، ورأيت إنسانا بين يديه، والشيخ مقبل عليه يكلمه، ولم أدر بأى شيء يكلمه، فسلمت على الشيخ، ومشيت خلفه، وعرضت عليه شيئا فاستحسنه، أعنى جوابا أجبت به، ثم ودعته، وإذا قائل يقول لى: الظاهر أن الله يريد بك خيرا، ولكنك تحتاج إلى صبر؛ إذ الصبر من شأن الأجواد، فأبشر بكذا وكذا، يبشرنى بقضاء تلك الحاجة، ثم انتبهت وسررت بما رأيت، وخطر لى أن أبشر ذلك الإنسان الذى رأيت الشيخ يكلمه، بإقبال الشيخ عليه. وإذا به قد جاءنى بقضاء تلك الحاجة التى طلبتها، ففهمت أن الشيخ ما كان يكلمه إلا من أجلى، نفع الله به، وجزاه عنا أفضل الجزاء.

وكان رحمه الله، صاحب همة عالية، وصورة حسنة حالية، ولحية مليحة طويلة، وهيبة فى القلوب، ومنزلة جليلة.

وقال اليافعى أيضا، فى كتابه «الإرشاد»: وذكر الإمام أبو حامد الغزالى: أنه أدرك بعض الشيوخ بمكة، لا يحضر الصلاة فى المسجد الحرام، قال: فسألته عن سبب تخلفه، فذكر كلاما معناه: أنه يدخل عليه فى خروجه من الضرر، أكثر مما يدخل عليه من النفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>