قلت: ولذلك كان الشيخ نجم الدين الأصبهانى، يصلى مدة فوق جبل أبى قبيس (٢) مقتديا بالإمام، مقلدا لبعض المذاهب. وكذلك أدركت سيدنا الشيخ أبا هادى المغربى، يصلى كذلك فى جبال مكة مقتديا بإمام الجماعة، فأنكر عليه أناس، فكان يقول: إذا جئت إليه، ما يقول هؤلاء المتعوبون؟ . انتهى. وذكره اليافعى في تاريخه. وذكر له كرامات.
منها: أن الفقيه الإمام علىّ بن إبراهيم البجلى اليمنى، قال له فى بعض حجاته: تركت ولدى مريضا فلعل تراه فى بعض أحوالك، وتخبرنى كيف هو؟ فزيق الشيخ فى الحال، ثم رفع رأسه، وقال: ها هو قد تعافى، وهو الآن يستاك على سرير، وكتبه حوله، ومن صفته وخلقته كذا وكذا. وما كان رآه قبل ذلك.
ومنها: أنه طلع يوما فى جنازة بعض الأولياء، فلما جلس الملقن عند قبره، ضحك الشيخ نجم الدين، ولم يكن الضحك له عادة، فسأله تلميذه عن ضحكه، فزجره، ثم أخبره بعد، أنه سمع صاحب القبر يقول: ألا تعجبون من ميت يلقن حيّا؟ .
ومنها: أن شخصا من الأولياء يقال له الشيخ محمد البغدادى، كان يسكن فى رباط مراغة، قال له: لما رجعت من زيارة النبى صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فكرت فى الشيخ نجم الدين وعتبت عليه فى قلبى، كونه لا يقصد المدينة الشريفة ويزور، قال: ثم رفعت رأسى، وإذا به فى الهواء مارّا إلى جهة المدينة: ونادى، يا محمد، كذا وكذا، وذكر كلاما نسيته. انتهى.
وبهذه الحكاية، يجاب عن الشيخ نجم الدين، فى عدم إظهاره القصد إلى زيارة النبىصلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيخ عليّا الواسطى، انتقد عليه ذلك، كما ذكر الذهبى والصفدى.
وذكره الذهبى فى ذيل تاريخ الإسلام، فقال: الإمام القدوة شيخ الحرم.
قال: وصحب أبا العباس المرسى وبرع فى الأصول، ودخل فى طريق الحب، صحبة الشيخ عماد الدين الحزامى، وكان شيخا مهيبا، منقبضا عن الناس. جاور بضعا وعشرين سنة. ولم يزر النبى صلى الله عليه وسلم، فعيب عليه ذلك، مع جلالة قدره. وكان لجماعة فيه اعتقاد عظيم، ثم قال: وقيل عنه أمر ما أدرى ما أقول فيه، أعاذك الله وإيانا من ترهات الصوفية، وخطرات أهل العناد، ووسواس ذوى الخلوات، التى تؤول بهم إلى الزندقة والشطح. انتهى.
(٢) جبل أبى قبيس: أبو قابوس وأبو قبيس، اسمان لجبل مكة، ويقال: شيخ الجبال أبو قبيس، وقيل: ثبير. انظر: الروض المعطار ٤٥٢، معجم ما استعجم ٣/ ١٠٤٠.