وبتقدير أن لا تكون كنانة انتقلت مع قصى إلى الحرم: فهم على منازلهم التى كانوا ينزلونها مع قريش، قبل أن تنتقل قريش عنهم إلى الحرم. ولم يرد خبر بخروج كنانة عن منازلهم ببادية مكة. والله أعلم.
ومن ذلك: قول ابن إسحاق فى سيرته ـ تهذيب ابن هشام ـ فى خبر الأصنام: «وكانت لقريش، وبنى كنانة: العزى بنخلة». انتهى.
ووجه الدلالة من هذا: أن إضافة «العزى» لقريش وكنانة: تقتضى أن لهم بها اختصاصا. وذلك ـ والله أعلم ـ لكونها بنخلة، وهى من بادية مكة التى ينزلون فيها.
ولا يقال: إضافة «العزى» لقريش وكنانة: لأجل أنهم أول من وضعها، ولا لأجل أنهم انفردوا بعبادتها وتعظيمها، ولا لأجل أنهم حجابها.
أما الأول: فلأن عمر بن لحىّ: هو الذى اتخذ العزى.
وأما الثانى: فلأن جميع مضر كانوا يعظمون العزى.
وأما الثالث: فلأن حجابها بنو شيبان من سليم.
وقد روينا عن ابن إسحاق ما يدل لذلك فى تاريخ الأزرقى، ولفظه: حدثنى جدى، قال: حدثنا سعيد بن سليم عن عثمان بن ساج، قال: أخبرنا ابن إسحاق «أن عمرو بن لحى اتخذ العزى بنخلة. وكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة: لم يحلوا حتى يأتوا العزى، فيطوفوا بها، ويحلون عندها، ويعتكفون عندها يوما وليلة. وكانت لخزاعة، وكانت قريش وبنو كنانة كلها تعظم العزى مع خزاعة، وجميع مضر. وكان سدنتها ـ الذين يحجبونها ـ بنى شيبان من بنى سليم، حلفاء بنى هاشم». انتهى.
وإذا لم يكن إضافة «العزى» لقريش وكنانة لأجل هذه الأمور الثلاثة: صح ما ذكرناه، من أن إضافتها لهم باعتبار كونها فى دارهم. والله أعلم.
ولا يعارض ذلك قوله فى هذا الخبر «وكانت لخزاعة» لأن إضافتها لخزاعة لكونها فى دارهم، فإن خزاعة تشارك قريشا فى الدار. على ما سيأتى بيانه إن شاء الله.
ومن ذلك: قوله فى خبر قصى ـ الذى سبق ذكره قريبا من كتاب الفاكهى ـ: «فأصبح بهم فى الحرم حول البيت، فمشت إليه أشراف كنانة، وقالوا: إن هذا عند العرب عظيم». انتهى.
ووجه الدلالة فى هذا: أنه يقتضى أن أشراف كنانة مشوا إلى قصى بإثر إصباحه بقومه فى الحرم. وذلك يدل على قرب كنانة من الحرم. والله أعلم.