وذكره ابن رشيد فى رحلته، وذكر شيئا من حاله، فقال بعد أن ذكر نسبه ومولده: ورحل به أبوه إلى العراق سنة أربع وثلاثين، فسمع بها مع أبيه تاج الدين من بغداد سنة خمس وثلاثين، ورجع إلى الشاونال بها وبمصر الرتبة العليا، والجاه العظيم عند السلطان. ولم يزل كذلك إلى عام سبعة وأربعين وستمائة، حتى وصل الفرنسيس إلى الديار المصرية، فى العام المعروف بعام دمياط، عام هياط ودمياط، فأقام بها فى المنصورة مع المحلة، إلى أن أشتد أمر العدو فى تلك الأيام. فأتفق هو وأحد أصحابه على أن يهيأ أنفسهما لله تعالى، ويجاهدا حتى يستشهدا، فخرجا وقاتلا، ففاز صاحبه بالشهادة، وأخر هو لما أراد الله تعالى من أنواع السعادة، فعاد إلى العسكر جريحا، حسبما ذكر فى كتابه الذى صنفه فى غزوة دمياط، وحين انقضى أمر العدو، ورأى أن لا يرجع فى هيئته، فتوجه إلى حرم الله تعالى واستوطنه. ولم يزل مستوطنا على كثرة ترغيب الملوك له، ورغبتهم فى وفوده عليهم شاما ويمنا، لم يخرج منه، إلا لزيارة النبى صلى الله عليه وسلم، نفعه الله ونفع به، وإلى ذلك أشار بقوله (٢)[من الوافر]:
إذا ما عنّ لى شجن ... فمن حرم إلى حرم
انتهى.
وسيأتى منها أبيات كثيرة.
ومن شعر أبى اليمن بن عساكر، ما أنشدناه المفتى أبو بكر بن الحسين بن عمر الشافعى، سماعا بالحرم النبوى: أن البدر محمد بن أحمد بن خالد الفارقى، أنشده ذلك إذنا إن لم يكن سماعا، عن أبى اليمن بن عساكر [من الكامل]:
يا جيرتى بين الحجون إلى الصفا ... شوقى إليكم مجمل ومفصل
أهوى دياركم ولى بربوعها ... وجد يثبطنى وعهد أول
ويزيدنى فيها العذول صبابة ... فيظل يغرينى إذا ما يعدل
ويقول لى لو قد تبدلت الهوى ... فأقول قد عز الغداة تبدل
بالله قل لى كيف تحسن سلوتى ... عنها وحسن تصبرى هل يجمل
يا أهل ودى بالمحصب دعوة ... من نازح يلقاكم يتعلل
ومنه بالإسناد المذكور [من الوافر]:
عسى الأيام أن تدنى الديارا ... بمن أهوى وقد شطوا مزارا