أهلها، فلم تقسم، ولا سبى أهلها، لما عظّم الله من حرمتها، أو أقرت للمسلمين؟ أشار إلى ذلك ابن رشد.
وعلى الأول: ينبنى جواز بيع دورها وإجارتها، وينبنى منع ذلك على القول بأنها أقرت للمسلمين.
وفى هذا القول نظر. فقد بيعت دور مكة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وعمر وعثمان رضى الله عنهما، وبأمرهما اشتريت دور مكة لتوسعة المسجد الحرام، وكذلك فعل ابن الزبير رضى الله عنهما.
وفعل ذلك غير واحد من الصحابة رضى الله عنهم. وهم أعرف الناس بما يصلح فى مكة.
وهذا مذكور فى تاريخ الأزرقى، ما عدا بيعها فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فإن ذلك مذكور فى كتاب الفاكهى عن عبد الرحمن بن مهدى.
ولا يعارض هذا حديث علقمة بن نضلة الكنانى ـ وقيل الكندى ـ «كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر، وعمر، وعثمان رضى الله عنهم ـ لا تكرى ولا تباع، ولا تدعى إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن». وهذا لفظ الأزرقى. وفى ابن ماجة معناه (١).
لأن حاصل حديث علقمة: شهادة على النفى. وفى مثل هذا يقدم المثبت. والله أعلم.
واختلف الحنفية فى جواز بيع دور مكة، فاختار الصاحبان ـ أبو يوسف ومحمد بن الحسن ـ جواز ذلك. وعلى قولهما الفتوى، فيما ذكر الصدر الشهيد، ومقتضى قولهما بجواز البيع، جواز الكراء. والله أعلم.
واختلف رأى الإمام أحمد رضى الله عنه فى ذلك. فعنه روايتان فى جواز بيع دور مكة وإجارتها. ورجح كلا منهما مرجح من أتباعه المتأخرين.
ولم يختلف مذهب الشافعى رضى الله عنه فى جواز بيع دور مكة وكرائها؛ لأنها عنده فتحت صلحا. وقال بعضهم عنه: فتحت بأمان، وهو فى معنى الصلح.
(١) أخرجه ابن ماجة فى سننه (٣١٠٧) من طريق: أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين، عن عثمان بن أبى سليمان، عن علقمة بن نضلة، قال: «توفى رسول اللهصلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن».