وما زال على هذا الأمر، إلى أن وصل إلى مكة العسكر المصرى المجرد لليمن، نصرة للملك المجاهد صاحب اليمن، فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فعند ذلك خرج هذا الإمام من مكة وأقام بوادى مرّ، وما رجع إليها إلى وقت الحج.
انتهى ما ذكره ابن الجزرى نقلا عن ابن العديسة، من خبر إمام الزيدية بمكة، وكأنه عاد بعد الموسم إلى ما كان يفعله.
وحاصل ما ذكرناه من هذه الأخبار، أن ولاية عطيفة بمكة، فى عشر الثلاثين وسبعمائة مختلف فيها، وليها فيها بمفرده، أو شركة فيها أخوه رميثة؟ ولم يزل عطيفة على ولايته، إلى أن وصل العسكر المجرد إلى مكة، فى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، بسبب قتل الأمير ألدمر، أمير جاندار فى سنة ثلاثين وسبعمائة، فى رابع عشر الحجة منها. ولما وصل العسكر إلى مكة، وجدوا الأشراف قد هربوا بأجمعهم، وقد تقدّم خير هذا العسكر فى ترجمة رميثة، وأنه استقر فى إمرة مكة بمفرده.
ثم توجه عطيفة إلى مصر، وعاد منها فى سنة أربع وثلاثين متوليا، وأقام بموضع يقال له أم الدّمن، ثم جاء إلى مكة، وأخذ نصف البلاد من أخيه رميثة. فلما كانت ليلة النفر من منى، أخرجه رميثة من مكة بلا قتال، فتوجه عطيفة إلى مصر، وأقام بها إلى أن جاء صحبة الحاج فى آخر سنة خمس وثلاثين، وقد ولى نصف البلاد، ومعه خمسون مملوكا شراء ومستخدمين، وأخذ نصف البلاد من أخيه رميثة بلا قتال، وكانا متوليين لمكة فى سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
ثم إنهما بعد مدة من هذه السنة، حصلت بينهما وحشة ومباعدة، فأقام عطيفة بمكة ومعه المماليك ورميثة بالجديد، إلى شهر رمضان، فلما كانا فى اليوم الثامن والعشرين منه، ركب رميثة فى جميع عسكره، ودخل مكة على عطيفة، بين الظهر والعصر، وكان عطيفة برباط أم الخليفة والخيل والدروع والتجافيف فى العلقمية، فلم يزل رميثة وأصحابه قاصدين إلى باب العلقمية، ولم يكن معهم رجّالة، فوقف على باب العلقمية من حماها إلى أن أغلقت، والموضع ضيق لا مجال للخيل فيه، والذين حموا ذلك، الغزّ والعبيد من غلمان عطيفة، فلم يحصل فى ذلك اليوم لرميثة ظفر، وقتل فى ذلك اليوم من أصحاب رميثة، وزيره واصل بن عيسى الزباع، وخشيعة ابن عم الزباع، ويحيى بن ملاعب، وولوا راجعين إلى الجديد، ولم يقتل من أصحاب عطيفة غير عبد واحد أو اثنين فيما قيل، والله أعلم.