وقال معاوية، لما بلغه موت على رضى الله عنه: ذهب الفقه والعلم، بموت ابن أبى طالب. وكان معاوية رضى الله عنه، يكتب إليه فيما ينزل به، يسأله عنه، وسئل عطاء ابن أبى رباح: كان فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من علىّ؟ قال: لا والله، ما أعلمه.
قال ابن المسيّب: ما كان أحد يقول: سلونى، غير علىّ بن أبى طالب. انتهى. وفضائله رضى الله عنه كثيرة.
وهاجر رضى الله عنه، بعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم بمدّة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة، أمره أن يقيم بمكة بعده أياما، حتى يؤدّى عنه أمانته. والودائع والوصايا التى كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يلحقه بأهله، ففعل. وشهد بدرا والحديبية، وسائر المشاهد، إلا تبوك، فإن النبى صلى الله عليه وسلم خلّفه على المدينة وعلى عياله، وأبلى ببدر وأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأغنى فى تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم.
وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى يده فى مواطن كثيرة، منها يوم بدر، على اختلاف فى ذلك، ومنها يوم أحد، بعد قتل مصعب بن عمير.
وبويع رضى الله عنه بالخلافة بعد عثمان، يوم قتل عثمان رضى الله عنه، سعى الناس إليه وهو فى داره. فأخرجوه منها، وقالوا: لابدّ للناس من إمام، وحضر طلحة والزبير وسعد بن أبى وقّاص والأعيان فبايعوه، وأوّل من بايعه طلحة، ثم سائر الناس من المهاجرين والأنصار، وتخلّف عن بيعته نفر، فلم يهجهم ولم يكرههم، وسئل عنهم فقال: هؤلاء قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل. وفى رواية أخرى، : أولئك قوم خذلوا الحق، ولم ينصروا الباطل. وتخلّف عن بيعته رضى الله عنه، معاوية بن أبى سفيان، ومن معه من أهل الشام، غضبا لعثمان، ونعاه معاوية لأهل الشام، فتعاونوا على الطلب بدمه، ونصب ثوب عثمان رضى الله عنه، وهو مضرّج بالدم على منبر دمشق، ثم إن طلحة والزبير رضى الله عنهما، فارقا عليا، ولحقا بمكة، واجتمعا فيها مع عائشة أم المؤمنين رضى الله عنهم، وساروا إلى البصرة للطلب بدم عثمان، لأن قتلته التفّوا على علىّ رضى الله عنه، وصاروا معه من رءوس الملأ، وخاف علىّ رضى الله عنه من أن ينتقض الناس، فسار بمن معه من الناس إلى العراق، فجرى بينه وبين عائشة ومن معهما، الوقعة المعروفة بوقعة الجمل، أثارها سفهاء الفريقين، وخرج الأمر عن على وعن طلحة والزبير، وقتل من الفريقين نحو عشرين ألفا، منهم طلحة والزبير،