وظفر على رضى الله عنه بعائشة، فأكرمها ورعى لها حرمتها، وجهّز معها من أوصلها إلى المدينة. وكانت وقعة الجمل فى سنة ست وثلاثين من الهجرة، فى عاشر جمادى الأولى، وقيل فى عاشر جمادى الأخرى، والله أعلم.
ثم ثار الحرب بينه وبين أهل الشام، لا متناعهم من مبايعته، فسار علىّ نحوهم من العراق فى تسعين ألفا، وقيل فى مائة ألف، وقيل فى خمسين ألفا، والتقى مع معاوية وأهل الشام، وكانوا سبعين ألفا، وقيل ستين، على أرض صفّين بناحية العراق، فى صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة، ودام الحرب والغارة بين الفريقين أياما وليالى، وقتل من الفريقين ستون ألفا، وقيل سبعون ألفا، وغلب أصحاب علىّ رضى الله عنه على الماء، وأزالوا عنه أهل الشام. ولما خاف أهل الشام الكسرة، رفعوا المصاحف بإشارة عمرو بن العاص رضى الله عنه، ودعوا إلى الحكم بما فى كتاب الله، فأجاب علىّ رضى الله عنه إلى تحكيم الحكمين، حكما من جهة علىّ، وحكما من جهة معاوية، على أن من اتفق الحكمان على توليته الخلافة، فهو الخليفة.
واختلف على علىّ رضى الله عنه أصحابه، لإجابته إلى ذلك، وخرجت عليه الخوارج، وهم أزيد من عشرة آلاف، وقالوا: لا حكم إلا الله، وكفّروا عليا رضى الله عنه بفعله، واعتزلوه، وشقّوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السّبل، فخرج عليهم على رضى الله عنه بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا إلا القتال، فقاتلهم واستأصل جمهورهم، ولم ينج منهم إلا اليسير. وجملة من قتل منهم أربعة آلاف، على ما قيل. فلما كان شهر رمضان من سنة ثمان وثلاثين، اجتمع الحكمان، وهما أبو موسى الأشعرى، من جهة علىّ رضى الله عنه، فيمن معه من وجوه أصحاب على رضى الله عنه، وعمرو بن العاص، من جهة معاوية، فيمن معه من وجوه أصحاب معاوية، بدومة الجندل، وهى مسيرة عشر أيام من دمشق، وعشرة من المدينة، وعشرة أيام من الكوفة، فلم ينبرم أمر، لأن عمرا رضى الله عنه، خلا بأبى موسى فخدعه، فقال له: نخلع الرجلين ـ يعنى عليا ومعاوية ـ ونولّى من يختاره المسلمون، فأذعن لذلك أبو موسى، وقال له عمرو: تكلم قبلى، فأنت أفضل منى وأكبر سابقة. فلما خرجا إلى الناس، تكلّم أبو موسى، وخلع عليّا ومعاوية، ثم قام عمرو، فقام وقال: أما بعد، فإن أبا موسى قد خلع عليا كما سمعتم، وقد واقفته على خلع علىّ، وولّيت معاوية.
وسار الشاميون وقد بنوا فى الظاهر على هذه الصورة، وود أصحاب علىّ الكوفة،