ذهب وأحسن إليه الأمراء لإقبال السلطان عليه، فحصّل غلمانا من الترك، قيل إنهم مائة، وخيلا قيل إنها مائة، ونفقة جيدة، وتوجّه مع الحجاج إلى مكة، فوصلها سالما، وكان يوم دخوله إليها يوما مشهودا، وقام بخدمة الحاج، فى أيام الموسم من سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وحج فى هذه السنة ناس كثير من اليمن بمتاجر، وانكسر من جلابهم ببندر جدّة، ستة وثلاثون جلبة فيما قيل، وسافروا من مكة بعد قضاء وطرهم منها فى قافلتين، وصحبهم فيها علىّ بعسكره، وأطلق القافلة الثانية من المكس المأخوذ منهم بمكة.
وكان غالب الأشراف آل ألى نمىّ، لم يحجّوا فى سنة أربع وتسعين وسبعمائة لا نقباضهم منه، فإنه كان نافر رأسهم جار الله بن حمزة، بمصر، وسعى فى التّشويش عليه، فما وسع جار الله إلا أن يخضع لعلىّ فقلّ تعبه، واستدعى علىّ الأشراف آل أبى نمىّ، فحضر إليه جماعة منهم، مع جماعة من القواد والحميضات، فقبض على ثلاثين شريفا، وثلاثين قائدا فيما قيل، وطالبهم بما أعطاه لهم من الخيل والدّروع، فسلّم القواد ما طلب منهم، وسلّم إليه الأشراف بنو عبد الكريم بن أبى سعد، وبنو إدريس بن قتادة، ما كان له عندهم من ذلك.
وأما الأشراف آل أبى نمىّ، فلم يسلّموا ما كان عندهم، فأقاموا فى سجنه، حتى سلّم إليه ما طلب منهم، بعد ثلاثة أشهر، وكان سجنه لهم فى آخر ذى الحجة من سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وكان بمكة جماعة من الأشراف والقواد، غير الذين قبض عليهم، ففروا بمكة مستخفين، والتحق كل منهم بأهله، ومضى الأشراف إلى زبيد ونزلوا عليهم بناحية الشام، وراسلوا عليّا فى إطلاق أصحابهم، فتوقف، ثم أطلق منهم محمد بن سيف بن أبى نمى، لتكرّر سؤال كبيش بن سنان بن عبد الله بن عمر له فى إطلاقه، فإنه كان عنده يوم القبض عليه، ومضى محمد بن سيف بعد إطلاقه إلى علىّ، وكان نازلا ببئر شميس، فسعى عنده فى خلاص أصحابه، واستقر الحال معه على أن يسلّم الأشراف إليه أربعين فرسا وعشرين درعا، وأن يردوا إليه ما أعطاه لهم من الأصائل، وأن يكون بين الفريقين مجود، أى حسب إلى سنة، ومضى من عند علىّ جماعة إلى الأشراف لإبرام الصّلح على ذلك، وقبض الخيل والدروع والإشهاد بردّ الأصائل، ففعل الأشراف ذلك.
وجاء علىّ إلى مكة، فأطلق الأشراف فى تاسع عشرى ربيع الأول، سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وما كان إلا أن خرجوا، فساروا بأجمعهم حتى نزلوا البحرة بطريق