جدّة، فجمع علىّ الأعراب ومن معه من العبيد والترك، ومضى حتى نزل الحشّافة، فرحل الأشراف من البحرة ونزلوا جدّة، واستولوا عليها، وكان مما حرّكهم على ذلك، الطمع فى مركب وصل إليها من مصر، فيه ما أنعم به السّلطان عليه، من القمح والشعير والفول، وصار فى كل يوم يرغب فى المسير إلى جدّة، لقتال المذكورين، فيأبى عليه أصحابه من القواد، ويحيرون عليه من المسير، ودام الحال على ذلك شهرا، ثم سعى عنده القواد الحميضات، فى أن يعطى للأشراف أربعمائة غرارة قمح، من المركب الذى وصل إليه، ويرحل الأشراف من جدّة، فأجاب إلى ذلك وسلّمها إليهم.
فلما صارت بأيديهم، توقفوا فى الرحيل، فزادهم مائة غرارة فرحلوا ونزلوا العدّ، وصاروا يفسدون فى الطريق، وبلغه أن ذوى عمر فى أنفسهم منه شئ، فمضى إلى الأشراف وصالحهم، وردّ عليهم ما أعطوه له، وأقبل على موادّتهم، فكان جماعة منهم يتحملون منه، وجماعة يبدون له الجفاء، ويعملون فى البلاد أعمالا غير صالحة، اقتضت أن التجار أعرضوا عن مكة، وقصدوا ينبع، لقلة الأمن بمكة وجدّة، فلحقه لأجل ذلك شدة.
وكان يجتهد فى رضائهم عليه، بكل ما تصل قدرته إليه، وقنع منهم بأن يتركوا الفساد فى البلاد، فما أسعفوه بمراده، ومما ناله من الضرر بسبب حقدهم عليه، أن بعض الشرفاء والقواد، غزوه بمكة فى خدمة أخيه السيد حسن بن عجلان لوحشة كانت بينهما، ونزلوا الزّاهر أياما كثيرة، ثم رحلوا منه لأنهم لم يتمكنوا من دخول مكة، ويقال إن بعضهم ناله برّ من علىّ بن عجلان، فرحل وتلاه الباقون.
وكان وصولهم إلى مكة فى جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وتوجه بعد ذلك حسن وعلىّ بن مبارك إلى مصر، راجين لإمرة مكة، فقبض عليهما السلطان الملك الظاهر برقوق، وبعث خلعة لعلىّ، وكتابا أخبره فيه بما فعل، وأمره فيه بالإحسان إلى الرعيّة والعدل فيهم، لما بلغه من أن عليّا تعرض لأخذ شيء من المجاورين بمكه، فقرئ الكتاب بالمسجد الحرام، بعد لبسه للخلعة، وأحسن السيرة، ونادى فى البلاد بأن من كان له حق، فليحضر إليه ليرضيه فيه، وكان الذى حمله على الأخذ، فقده لما كان يعهد من النفع بجدة، ومطالبة بنى حسن له بالعطاء، وما زال حريصا على أن يحصل منهم عليه رضا، إلى أن أدرك من بعضهم ما به الله عليه قضى، من سلب روحه وإسكانه فى ضريحه، وكان صوره ما فعل به، أنه لمّا خرج يريد البراز، اتبعه الكردىّ ولد عبد الكريم ابن مخيط، وجندب بن جخيدب بن لحاف، وعبيّة بن واصل، وهم