وروينا عنه أنه قال: ما علمت أحدا هاجر إلا مختفيا، إلا عمر رضى الله عنه، فإنه لما همّ بالهجرة، تقلدّ سيفه، وذكر الخبر.
وكان هاجر مع أخيه زيد بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وغيرهما من سادات الصحابة رضى الله عنهم، وشهد مع النبى صلى الله عليه وسلم، بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وخيبر، وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، وسائر المشاهد، وكان شديدا على الكفار والمنافقين، وبويع رضى الله عنه بالخلافة، بعد موت أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنه، وكان عهد إليه بذلك، فقام بعده بمثل سيرته وجهاده، وثباته وصبره على العيش الخشن وخبز الشعير، والثوب الخام المرقوع، والقناعة باليسير، ففتح الله فى خلافته الفتوحات الكبار والأقاليم الشاسعة، فافتتح عسكره مملكة كسرى، وكانت جيوش كسرى مائة ألف أو يزيدون، فكسرهم المسلمون غير مرّة، وسبوا نساءهم وأولادهم، وغنموا أموالهم، وكان على المسلمين يومئذ، سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وبنى المسلمون حينئذ الكوفة والبصرة، وافتتحت فى خلافته رضى الله عنه جميع مدائن الشام، بعد مصافّات أربعة، أكبرها وقعة اليرموك بحوران بالشام، وكان المسلمون أكثر من عشرين ألفا، وكانت جيوش قيصر ملك النصارى، يزيدون على مائة ألف فارس، فقتل من الكفار نصفهم أو أقلّ، واستشهد من المسلمين جماعة من الصحابة، وافتتح فى خلافته رضى الله عنه بيت المقدس، وقتل فى خلافته فى وقعة جلولاء بالعراق، خلائق من المجوس، وغنم المسلمون منهم غنيمة عظيمة، يقال إنها ثلاثون ألف ألف درهم.
وافتتح فى خلافته الموصل والجزيرة وديار بكر والعراق وأرمينيّة وأذربيجان وبلاد فارس وخوزستان ـ واختلفوا فى خراسان، فقيل فتحت فى زمانه، ثم انتقضت، وفتحت فى زمن عثمان رضى الله عنه، وقيل إن عثمان افتتحها وهو الصحيح، وإصطخر، وبلد الرىّ وهمذان وجرجان والدّينور ونهاوند وديار مصر ـ بعضها بالسيف وبعضها صلحا ـ والإسكندرية عنوة، وطرابلس من أوائل بلاد المغرب، وزهت له الدنيا إلى الغاية، فلم يغترّ بها، ولم يردها، وأنزل نفسه فى مال الله تعالى، منزلة رجل من المسلمين.
وله رضى الله عنه فى الزهد أخبار عجيبة، منها: أنه لما قدم الشام، لقيته الجنود، وعليه إزار فى وسطه وعمامة، قد خلع خفّيه، وهو يغوص الماء آخذا بزمام راحلته، وخفّاه تحت إبطه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، الآن تلقاك الأمراء وبطارقة الشام، وأنت