على ولاية مكة مدة، وفى مدة ولايته لمكة، عمّر المسجد الذى أحرمت منه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، بعد حجها مع النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا المسجد بالتّنعيم، وهو المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة. وعمارته لهذا المسجد، فى سنة تسع عشرة وستمائة، وعمّر فى ولايته على مكة أو فيما بعدها، الدّار التى يقال لها دار سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه، فى الزقاق المعروف بزقاق الحجر، وتاريخ عمارته لها فى المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة، واستناب الملك المسعود نور الدين، هذا على بلاد اليمن، لما توجه منها قاصدا الديار المصرية، فى نصف رمضان سنة عشرين وستمائة، نيابة عامة، خلا صنعاء، فإنه استناب فيها بدر الدين حسن بن على بن رسول، أخا نور الدين هذا، وجرى بين نور الدين وبين مرغم الصوفى، لما دعا إلى نفسه، حرب، غلبه فيه نور الدين، ولما عاد الملك المسعود من الديار المصرية، قبض على نور الدين فيما قيل، وعلى أخيه حسن، وأخيه فخر الدين أبى بكر، وشرف الدين موسى، تخوفا منهم، لما ظهر منهم من النجابة فى غيبته، فإن نور الدين غلب مرغما كما ذكرنا، وبدر الدين غلب الشريف عز الدين محمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة، وبعث بهم إلى الديار المصرية مستحفظا بهم، خلا نور الدين، فإنه على ما قيل أطلقه من يومه، لأنه كان يأنس به كثيرا، واستخلفه وجعله أتابك عسكره، فلما عزم الملك المسعود على التوجّه من اليمن، إلى الديار المصرية والشامية، استناب نور الدين هذا مرة ثانية على جميع البلاد، وقال له: إن متّ، فأنت أولى بملك اليمن من إخوتى، لخدمتك لى ونصحك لى، وإن عشت فأنت على حالك، وإياك أن تترك أحدا من أهلى يدخل اليمن، ولو جاء الملك الكامل والدى مطويا فى كتاب. وسار الملك المسعود إلى مكة، فمات بها.
فلما بلغ نور الدين خبر موته، أضمر الاستقلال بملك اليمن، وأظهر أنه نائب للملك المسعود، ولم يغيّر سكّة ولا خطبة، وجعل يولّى فى الحصون والمدن من يثق به، ويعزل من يخشى منه خلافا، ويعمل على من ظهر منه عصيان، حتى يقتله أو يأسره، ولما استوسق له الأمر فى البلاد التهامية، واستقرت قواعده فيها، قصد حصن تعز فحاصره حتى أجهد أهله، بحيث إنهم ابتاعوا حنطة بثلاثين ألف دينار ملكية، وذلك فى سنة ست وعشرين وستمائة.
وفى سنة سبع وعشرين، تسلّم حصن التّعكر (١) وحصن خدد (٢)، وتسلم صنعاء
(١) تعكر: بضم الكاف، وراء: قلعة حصينة عظيمة مكينة باليمن من مخلاف جعفر مطلّة على ذى جبلة.