وقال أبو القاسم السّهيلىّ، فى كتابه «الروض الأنف»: فصل. وذكر ـ يعنى ابن إسحاق ـ حديث أبى شريح الخزاعىّ، واسمه خويلد بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل كعب بن عمرو، وقيل هانئ بن عمرو، ثم قال: وقال: لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير بمكة، هذا وهم من ابن هشام، وصوابه عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، وهو الأشدق، ويكنى أبا أمية، ثم قال: فالصواب إذا عمرو ابن سعيد، لا عمر بن الزبير، وكذا رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق، وهكذا وقع فى الصحيحين، ذكر هذا التنبيه على ابن هشام، أبو عمر رحمه الله، فى كتابه «الأجوبة عن المسائل المستغربة» وهى مسائل من كتاب الجامع للبخارى، تكلم عليها فى ذلك الكتاب، وإنما دخل الوهم على ابن هشام، أو على البكّائىّ فى روايته، من أجل أن عمرو بن الزبير كان معاديا لأخيه عبد الله، ومعينا لبنى أميّة عليه فى تلك الفتنة، والله أعلم. انتهى.
وهذا الوهم الذى ذكره السّهيلى يحتاج إلى تحقيق، لأن فى السيرة لابن إسحاق تهذيب ابن هشام: وحدّثنى سعيد بن أبى سعيد المقبرى، عن أبى شريح الخزاعى، قال: لما قدم عمرو بن الزبير مكة، لقتال أخيه عبد الله بن الزبير، جئته فقلت له: يا هذا، إنّا كنّا مع رسول اللهصلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، فذكر الحديث فى حرمتها، والنّهى عن القتال فيها، ثم قال عمرو لأبى شريح: انصرف أيها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك، إنها لا تمنع سافك دم، ولا خالع طاعة، ولا مانع خربة. انتهى.
فإن أراد السهيلى كما هو الظاهر من كلامه، أن عمرو بن الزبير لم يقدم مكة لقتال أخيه، وأن عمرو بن سعيد الأشدق، قدم مكة لقتال عبد الله بن الزبير، فهذا غير مستقيم، لأنه لا يعرف أن عمرو بن سعيد أتى مكة لقتال ابن الزبير، والمعروف أن عمرو بن سعيد، بعث عمرو بن الزبير فى جيش إلى مكة، لقتال عبد الله بن الزبير، وأن عبد الله بن الزبير أخرج إليهم من قاتلهم حتى انهزموا، وقتلت طائفة من جيش عمرو ابن الزبير بعد ذلك، كما سبق نقلا عن الواقدى، وتاريخ ابن الأثير. وابن الأثير أخذ ذلك من ابن جرير وليس فى الصحيحين ما يدل على أن عمرو بن سعيد، أتى مكة لقتال ابن الزبير، وإنما فيهما أنه بعث لقتاله، ولفظ الصحيح بعد الإسناد إلى أبى شريح، أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث إلى مكة: إيذن لى أيها الأمير، أحدثك قولا، قام فيه رسول اللهصلى الله عليه وسلم الغد من يوم فتح مكة، الحديث.
وهو معنى ما فى السيرة مختصرا، فهذا صريح فى أن أبا شريح حين قال ذلك لعمرو