قال: قال الواقدىّ: وحدثنى عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر، وحدّثنى شرحبيل ابن أبى عون، عن أبيه، وابن أبى الدّينار، قالوا: كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد، أن يوجه إلى ابن الزبير جندا، فسأل: من أعدى الناس له؟ فقيل: عمرو أخوه، فولّاه شرطة المدينة، فضرب ناسا من الأوس والأنصار بالسياط، وقال: هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير، ثم توجه فى ألف من أهل الشام إلى قتال أخيه عبد الله، ونزل بذى طوى، فأتاه ناس يسلّمون عليه، فقال: جئت لأن يعطى أخى الطاعة ليزيد، ويبرّ قسمه، فإن أبى قاتلته، فقال له جبير بن شيبة: كان غيرك أولى منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك فى سنّه وفضله، تجعله فى جامعة! ما أرى الناس يدعونك وما تريد! قال: أرى أن أقتل من حال دون ذلك، ثم أقبل ونزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه، وكان عمرو يخرج يصلّى بالناس وعسكره بذى طوى، وابن الزبير أخوه معه، يشبّك أصابعه فى أصابعه، ويكلمه فى الطاعة ويلين له، فقال عبد الله: ما بعد هذا شئ، إنى لسامع مطيع، أنت عامل يزيد، وأنا أصلى خلفك، ما عندى خلاف، فإما أن تجعل فى عنقى جامعة، ثم أقاد إلى الشام، فإنى نظرت فى ذلك، فرأيته لا يحل لى أن أحله بنفسى، فراجع صاحبك واكتب إليه، فقال: لا والله ما أقدر على ذلك، فهيّأ عبد الله بن صفوان قوما، وعقد لهم لواء، وأخذ بهم من أسفل مكة، فلم يشعر أنيس الأسلمى إلا بقوم، وكان على عسكر عمرو، فالتقوا، فقتل أنيس، وركب مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فى طائفة إلى عمرو، فلقوه، فانهزم أصحابه والعسكر أيضا، وجاء عبيدة بن الزبير إليه، فقال: يا أخى، أنا أجيرك من عبد الله، وجاء به أسيرا، والدم يقطر على قدميه فقال: قد أجرته؟ قال عبد الله: أما حقى، فنعم، وأمّا حق الناس فلا، فيقتصّ منه لمن آذاه بالمدينة، وقال: من كان يطلبه بشيء فليأت، فجعل الرجل يأتى فيقول: قد نتف أشفارى، فيقول: قم، فانتف أشفاره، وجعل الرجل يقول: قد نتف لحيتى، فيقول: انتف لحيته، وكان يقيمه كل يوم، ويدعو الناس للقصاص منه فقام مصعب بن عبد الرحمن فقال: قد جلدنى مائة جلدة، فأمره فضربه مائة جلدة، فمات، وأمر به عبد الله فصلب.
وروى ابن سعد عن الواقدى وقال: بل صحّ من ذلك الضرب، ثم أمر به ابن الزبير بعد إخراجه من السجن، فرآه جالسا بفناء منزله، فقال: ألا أراه حيّا! فأمر به فسحب إلى السجن، فلم يبلغه حتى مات، فأمر به عبد الله، فطرح فى شعب الخيف، وهو الموضع الذى صلب فيه عبد الله بعد. انتهى.