فقال له أمير الركب: يا شريف، أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليفة ابن عمك، وأنا مملوك تركى، لا أعلم من الأمور التى فى الكتب ما علمت، ولكنى قد رأيت أن هذا من شرف العرب، الذين يسكنون البوادى، ونزعات قطاع الطريق ومخيفى السبيل، حاش لله أن أحمل هذه الأبيات عنك إلى الديوان العزيز، فأكون قد جنيت على بيت الله، وبنى بنت نبيهصلى الله عليه وسلم، ما ألعن عليه فى الدنيا، وأحرق بسببه فى الآخرة، والله لو بلغ هذا إلى حيث أشرت، لترك كل وجه، وجعل جميع الوجوه إليك حتى يفرغ منك، ما لهذا ضرورة، إنه قد خطر لك أنهم استدرجوك، لا تسر إليهم، ولا تمكن من نفسك، وقل جميلا، وإن كان فعلك ما علمت. قال: فأصغى إليه أبو عزيز، وعلم أنه رجل عاقل ناصح، ساع بخير لمرسله وللمسلمين، فقال له: كثر الله فى المسلمين مثلك، فما الرأى عندك؟ قال: أن ترسل من أولادك من لا تهتم به إن جرى عليه ما يتوقعه، ومعاذ الله أن يجرى إلا ما تحبه، وترسل معه جماعة من ذوى الأسنان والهيئات من الشرفاء، فيدخلون مدينة السلام، وفى أيديهم أكفانهم منشورة، وسيوفهم مسلولة، ويقبلون العتبة، ويتوسلون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبصفح أمير المؤمنين، وسترى ما يكون من الخير لك وللناس، والله لئن لم تفعل هذا، لتركبنّ الإثم العظيم، ويكون ما لا يخفى عنك، قال: فشكره ووجه صحبته ولده وأشياخ الشرفاء، ودخلوا بغداد على تلك الهيئة التى رسم، وهم يضجون ويبكون ويتضرعون، والناس يبكون لبكائهم، واجتمع الخلق كأنه المحشر، ومالوا إلى باب النوبى من أبواب مدينة الخليفة، فقبلوا هنالك العتبة، وبلغ الخبر الناصر، فعفى عنهم وعن مرسلهم، وأنزلوا فى الديار الواسعة، وأكرموا الكرامة التى ظهرت واشتهرت، وعادوا إلى أبى عزيز بما أحب، فكان بعد ذلك يقول: لعن الله أول رأى عند الغضب، ولا عدمنا عاقلا ناصحا يثنينا عنه. انتهى.
وذكر ابن محفوظ: أن قتادة أرسل إلى الخليفة ولده راجح بن قتادة فى طلب العفو، وكلامه يقتضى أن ذلك وقع بإثر الفتنة. وذكر ابن الأثير ما يوافق ذلك، وما ذكره ابن سعيد، يقتضى أن ذلك بعد سنة من الفتنة، والله أعلم.
وقد ذكر قتادة جماعة من العلماء فى كتبهم، وذكروا ما فيه من الأوصاف المحمودة والمذمومة، مع غير ذلك من خبره، فنذكر ما ذكروه لما فيه من الفائدة.
قال المنذرى فى التكملة: كان مهيبا وقورا قوى النفس شجاعا مقداما فاضلا، وله شعر.
قال: وتولى إمرة مكة مدة، رأيته بها وهو يطوف بالبيت شرفه الله تعالى، ويدعو