بتضرع وخشوع كثير. قال: وكان مولده بوادى ينبع، وبه نشأ. وذكر أنه قدم مصر غير مرة، وأن أخاه أبا موسى عيسى بن إدريس، أملى عليه نسبه هذا، يعنى الذى ذكرناه حين قدم مصر.
وقال ابن الأثير: وكانت ولايته قد اتسعت، من حدود اليمن إلى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم، وله قلعة ينبع بنواحى المدينة، وكثر عسكره، واستكثر من المماليك، وخافه العرب فى تلك البلاد خوفا عظيما. وكان فى أول أمره لما ملك مكة حرسها الله تعالى، حسن السيرة، أزال عنها العبيد المفسدين، وحمى البلاد، وأحسن إلى الحجاج وأكرمهم، وبقى كذلك مدة، ثم إنه أساء السيرة، وجدد المكوس بمكة، وفعل أفعالا شنيعة، ونهب الحاج فى بعض السنين كما ذكرنا.
وقال ابن سعيد، بعد أن ذكر وفاته وشيئا من حال أجداده: وكان أبو عزيز أدهى وأشهر من ملك مكة منهم، وكان يخطب للخليفة الناصر، ثم يخطب لنفسه بالأمير المنصور، ودام ملكه نحو سبع وعشرين سنة، وكان قد ابتاع المماليك الأشراف، وصيّرهم جندا يركبون بركوبه، ويقفون إذا جلس على رأسه، وأدخل فى الحجاز من ذلك ما لم يعهده العرب وهابته، وكان متى قصد منهم فريقا، أمر فيهم بالسهام، فأطاعته التهائم والجنود، وصار له صيت فى العرب لم يكن لغيره، وكانت وراثته الملك عن مكثّر بن قاسم بن فليتة، الذى ورثه عن آبائه المعروفين بالهواشم، ولم كن أبو عزيز من الهواشم، إلا من جهة النساء، وظهر فى مدة مكثر، فورث ملكه، واستقام أمره.
ثم استقام الأمر فى عقبه إلى الآن. قال: وكان أبو عزيز فى أول أمره، حسن السيرة، صافى السريرة، فلما وثب على شبيهه وابن عمه، الرجل الذى توهم أنه من العراق وقتله، انقلبت أحواله، وصار مبغضا فى العراقيين، وفسدت نيته على الخليفة الناصر، وساءت معاملته للحجاج، وأكثر المكوس والتغريم فى مكة، حتى ضج الناس، وارتفعت فيه الأيدى بالدعاء، فقتله الله تعالى على يد ابنه حسن بن قتادة.
ثم قال ابن سعيد: وكان أبو عزيز، أديبا شاعرا ـ وقد تقدم شعره الذى قاله، عند ما حاول الإمام الناصر وصوله إلى بغداد ـ قال: ولما قتلت العرب فى الركب العراقى، حين أسلمه أميره المعروف بوجه السبع وفر إلى مصر بسبب عداوة جرت بينه وبين الوزير العلوى، كتب ابن زياد عن الديوان العزيز: إلى أبى عزيز، وغير خفى عن سمعك، وإن خفى عن بصرك، فيك إلا جاوره فى آرام بكل ريم، وغشيان حرب بين الحرمين، حتى عموا قلب كل محرم كالعميم.