وكان الناس يتذاكرون شربهم وإسرافهم على أنفسهم، فخرج بكير بن حمران من القصر، فأتى النعمان بن أوس المزنى، وجرير بن عبد الله البجلى، فأسر إليهما، أن الوليد شرب الساعة، فقاما ومعهما رجل من جلسائهما، فمروا بحذيفة بن اليمان، فأخبروه الخبر، فقال: ادخلا عليه، فانظرا إن أحبتما، فمضيا حتى دخلا عليه، فسلما، ونظر إليهما الوليد، فأخذ كل شيء كان بين يديه، فأدخله تحت السرير، فأقبلا حتى جلسا، فقال لهما: ما حاجتكما؟ قالا: ما هذا الذى تحت السرير، ولم يريا بين يديه شيئا، فأدخلا أيديهما تحت السرير، فإذا هو طبق عليه قطف من عنب، قد أكل عامته، فاستحييا وقاما، وأخذا يظهران عذره، ويرّدان الناس عنه، ثم لم يرعهما من الوليد إلا وقد أخرج سريره، فوضعه فى صحن المسجد، وجاء بساحر يدعى بطروى، وكان ابن الكلبى يسميه الشيبانى من أهل بابل، فاجتمع إليه الناس، فأخذ يريهم الأعاجيب، يريهم حبلا فى المسجد مستطيلا، وعليه فيل يمشى، وناقة تخبّ، وفرس تركض، والناس يتعجبون مما يرون، ثم يدع ذلك ويريهم حمارا بحى سد (٧) حتى يدخل من فيه ويخرج من دبره، ثم يعود فيدخل من دبره، فيخرج من فيه، ثم يريهم رجلا قائما، ثم يضرب عنقه، فيقع رأسه جانبا، ويقع الجسد جانبا، ثم يقول له: قم، فيرونه يقوم، وقد عاد حيا كما كان.
فرأى جندب بن كعب ذلك، فخرج إلى معقل، مولى لمصعب بن زهير بن أنس الأزدى، كانت عنده سيوف، وكان معقل صقيلا، فقال: أعطنى سيفا قاطعا، فأعطاه إياه، فأقبل على مصعد التيمى، من بنى تيم الله بن ثعلبة، فقال له: أين تريد يأبا عبد الله؟ فقال: أريد أن أقتل هذا الطاغوت، الذى عليه الناس عكوف، قال: من تعنى؟ قال: هذا العلج الساحر، الذى سحر أميرنا الفاجر العاتى، فإنى والله لقد مثلث الرأى فيهما، فظننت إن قتلت الأمير، ستوقع بيننا فرقة تورث عداوة، فأجمع رأيى على قتل الساحر، قال: فاقتله ولا تك فى شك، وأنت على هدى، وأنا شريكك، فجاء حتى انتهى إلى المسجد، والناس فيه مجتمعون على الساحر، وقد التحف على السيف بمطرف كان عليه، فدخل بين الناس، فقال: أفرجوا، أفرجوا، فأفرجوا له، فدنا من العلج، فشد عليه، فضربه بالسيف فأردى رأسه، ثم قال: أحى نفسك! فقال الوليد: علىّ به، فأقبل به إليه عبد الرحمن بن خنيس الأسدى، وهو على شرطته، فقال: اضرب عنقه، فقام مخنف بن سليم فى رجال من الأزد، فقالوا: سبحان الله! أتقتل صاحبنا بعلج ساحر؟ لا يكون هذا أبدا.