للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال زهير بن عباد: وكان فضيل بن عياض، ووهيب بن الورد، وعبد الله بن المبارك، جلوسا، فذكرو الرطب، فقال وهيب: قد جاء الرطب، فقال عبد الله بن المبارك: يرحمك الله، هذا آخره، أو لم تأكله؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال وهيب: بلغنى أن عامة أجنة مكة من الصوافى والقطائع، فكرهتها. فقال ابن المبارك: يرحمك الله، أو ليس قد رخص فى الشراء من السوق، إذا لم تعرف الصوافى والقطائع منه، وإلا ضاق على الناس خيرهم، أو ليس عامة ما يأتى من قمح مصر، إنما هو من الصوافى والقطائع؟ ولا أحسبك تستغنى عن القمح، فسهّل عليك. قال: فصعق وهيب، فقال فضيل لعبد الله: ما صنعت بالرجل؟ فقال ابن المبارك: ما علمت أن كل هذا الخوف قد أعطيه.

فلما أفاق وهيب، قال: يا ابن المبارك، دعنى من ترخيصك، لا جرم لا آكل من القمح إلا كما يأكل المضطر من الميتة. فزعموا أنه نحل جسمه حتى مات هزلا.

وقال حازم الديلمى: قيل لوهيب بن الورد: ألا تشرب من زمزم؟ قال: بأى دلو؟ .

وقال شعيب بن حرب: ما احتملوا لأحد ما احتملوا لوهيب، كان يشرب بدلوه.

وقال ابن المبارك: ما جلست إلى أحد، كان أنفع لى مجالسة من وهيب.

وكان لا يأكل من الفواكه، وكان إذا انقضت السنة، وذهبت الفواكه، يكشف عن بطنه وينظر إليه ويقول: يا وهيب، ما أرى بك بأسا، ما أرى تركك للفواكه ضرك شيئا! .

وقال: كان يقال: الحكمة عشرة أجزاء، فتسعة منها فى الصمت، والعاشرة عزلة الناس، فعالجت نفسى على الصمت، فلم أجدنى أضبط كما أريد منه، فرأيت أن هذه الأجزاء العشرة، عزلة الناس.

وقال ابن أبى رواد: انتهيت إلى رجل ساجد خلف المقام، فى ليلة باردة مطيرة، يدعو ويبكى، فطفت أسبوعا، ثم عدت، فوجدته على حاله، فقعدت قريبا منه الليل كله، فلما كان جوف الليل، سمعت هاتفا يقول: يا وهيب بن الورد: ارفع رأسك، فقد غفر لك، فلم أر شيئا.

فلما برق الصبح، رفع رأسه ومضى، فاتبعته، قلت: أو ما سمعت الصوت؟ فقال: أى صوت؟ فأخبرته، فقال: لا تخبر أحدا. فما حدثت به أحدا حتى مات وهيب.

وقال محمد بن يزيد: كانوا يرون الرؤيا لوهيب، أنه من أهل الجنة، فإذا أخبر بها

<<  <  ج: ص:  >  >>