الفقه للملك الأشرف شعبان، صاحب مصر. ولم تجتمع هذه الوظائف لأحد قبله من قضاة مكة، وبعضها لم يكن إلا فى زمنه.
واستمر على ولايته لجميع ذلك إلى أن مات، إلا أنه صرف عن المدارس قبيل وفاته، ولم يصل الخبر بذلك إلا بعد مماته.
وكان السبب الأعظم فى عزله عن المدارس: أنه منع القاضى زكى الدين الخروبى تاجر الخواص السلطانية بالديار المصرية؛ إذ كان مجاورا بمكة فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة من تحصيب المسجد الحرام، وقال له: لا يكون هذا إلا من مال السلطان، يعنى: صاحب مصر.
وعارضه أيضا فى غير ذلك من مراده بمكة، فشق ذلك على الخروبى كثيرا وأحب إيذاء المذكور، وما وجد إلى ذلك سبيلا إلا من جهة المدارس بمكة، وأمرها لصاحب اليمن. وكان إذ ذاك الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن مجاهد على بن المؤيد داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن على بن رسول.
وكان للخروبى عند الأشرف مكانة لقيامه بمصالحه فى التجارة وغيرها بمصر. ولما عرف الأشرف رغبته فى ذلك، عزل المذكور عن ذلك.
وكان قبل ذلك وشى إليه بعض الناس بهذا القاضى. فما قبل فيه قول الواشى، وكتب إليه بخطه يقول له: أنت على نظرك وتدارسك، لا يقبل فيك نقل ناقل، كيف والقول فيه مكذوب.
هذا معنى ما بلغنى من كتابة الأشرف إلى القاضى.
وكان يصل إليه من الأشرف صلة طائلة فى موسم كل سنة، بسبب خطبته له بمكة، وقيامه بالهدى عنه بمنى، وهدية يهديها القاضى إليه.
وبلغنى: أنه وصل إليه من الأشرف بسبب ذلك فى بعض السنن سبعة وعشرون ألف درهم. وما ظفر بذلك من صاحب اليمن قاض بعده. وغاية ما ظفر به بعضهم نحو ثلث ذلك وأقل.
ثم انقطع ذلك مع ما كان يصل لأمير مكة والمؤذنين، وما جرت به العادة من مدة خمس سنين متوالية، أولها: سنة أربع عشرة وثمانمائة، لتغير صاحب اليمن الملك الناصر أحمد بن الأشرف على صاحب مكة.