وكان أميرا بمكة فى عصر عجلان وابنه أحمد يراعيانه كثيرا، لتحققهما أن له عند المصريين قدرا خطيرا وكان يراعيهما فيما ليس فيه ملامة؛ لأنهما سألاه فى الخطبة بمكة لصاحب العراق شيخ أويسى لما وصلهما منه هدية سنية، ففعل ذلك وقتا، ثم ترك ذلك حتى الآن.
وكان يقول ولاة الحكم بمكة: أمر أهل الحرم إلىّ، فلا يعرضوا لهم بحكومة، ويكفهم عن ذلك كثيرا. فعز أهل الحرم عند الدولة بذلك.
وكان السيد أحمد بن عجلان يتردد إليه كثيرا لما يعرض له من الحوائج عنده، فيجتمعان بأسفل الأفضلية، وربما أمر القاضى باطلاعه إليه إلى مجلسه بوسط الأفضلية، فيفعل ذلك السيد أحمد بن عجلان بمشقة عظيمة لثقله باللحم. وأثر ذلك فى نفسه شيئا مع تأثيره من معارضة القاضى له فى بعض مقاصده، وحمله ما فى نفسه من الأثر على أن مكن بعض الناس من الإساءة بالقول على القاضى بحضرتهما وحضرة ملأ من الناس، فعرف القاضى أن ذلك أمر صنع بليل، وأنه عليه كثير الميل. فألزم نفسه الصبر، ليفوز بما فيه من الأجر، وكان على الأداء صبورا، وعند الناس مشكورا، ولم يكن يطمع بوظيفة القضاء فيما مضى.
وبلغنى أنه قال للنجاب حين جاءه مبشرا بذلك: المراد غيرى ـ يعنى الحرازى ـ لأنه ظن أن الذى مع النجاب استمرار الحرازى. فما كان إلا له، وصدق بذلك ما بشره به خطيب دمشق جمال الدين محمود بن جملة؛ لأنه كان قال له فى حياة خاله: بينا أنا بين الركنين خطر لى أنك تكون قاضيا بمكة، فاستبعد ذلك لضعف حاله فلما مات خاله جاءه كتاب المذكور من دمشق يقول له فيه: بلغنا موت القاضى شهاب الدين الطبرى، وصلينا عليه صلاة الغائب، وما كان لك سوف يصلك على ضعفك وإن كرهت، أو قال: وإن عجزت.
هذا معنى ما بلغنى من كتابه.
وأول ما سعى له فى الخطابة بمكة، وكتب له محضرا ليقف عليه من له الكلام فى الولاية فيعرف أهليته لذلك، وكتب فيه جماعة من جلة علماء الديار المصرية ـ إذ ذاك ـ وهم: الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب صاحب مختصر الكفاية، والشيخ جمال الدين عبد الرحيم الأسنوى صاحب المهمات وغيرها، والشيخ بهاء الدين بن الشيخ تقى الدين السبكى، وهو المحرك لهذه القضية.