ولما سعى له فى الخطابة عند من له الكلام، قال: إن كان يصلح لجميع الوظائف فيولاها، فعرف بأهليته لذلك، فأشار بولايته لجميع ذلك، فتم ذلك.
وكان ذا يد طولى فى فنون من العلوم مع الذكاء المفرط والفصاحة والإجادة فى التدريس والإفتاء والخطبة، ووفور العقل والجلالة عند الخاصة والعامة. ومع ذلك فهو كثير التواضع مع الفقراء وأهل الخير، مكرما لهم. وحصل له بذلك خير كثير ولأولاده.
وكان كثير المروءة والمكارم؛ لأنه كان يخدم الأعيان الواردين إلى مكة بما يليق بجلالهم، وربما هادى بعضهم إلى بلده. وكان يديم البر لجماعة من أقاربه وغيرهم من أهل الخير.
وكان يقوم بكلفة كثير ممن يسافر معه إلى الطائف وإن كثروا، وتكرر ذلك منه مرات.
وقام أيضا عمن سافر معه إلى المدينة النبوية بكثير من الكلف، وآخر قدماته إليها فى موسم سنة ثمانين وسبعمائة، وجاور بها إلى أثناء السنة التى بعدها وخطب فى بعض هذه المدة بالحرم النبوى، وأم الناس به نيابة عن ولده خال قاضى الحرمين محب الدين النويرى.
وكان إذ ذاك قاضى المدينة وخطيبها وإمامها، وقل أن اتفق ذلك لغيرهما، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وتيسر لكل منهما ما لم يتيسر للآخر. فما تيسر للأب سعة الرزق عليه بأخرة، بحيث أنه مات ولا دين عليه، وهذه نعمة عظيمة، سيما ببلاد الحجاز، فقل أن اتفق ذلك فيه لرئيس، وخلف تركة غير طائلة، وهو جدى لأمى.
توفى يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب سنة ست وثمانين وسبعمائة، وهو متوجه من الطائف إلى مكة، فنقل إليها، ودفن بالمعلاة بعد الصلاة عليه بالحرم الشريف.
وكان يخيل له: أنه يموت فى مرضه هذا؛ لأن منجما بالشام أخبره بنيله رياسة بلده فنال ما سبق، وبمبلغ سنه. فذكر قوله لما ابتدأ به المرض، وحسب عمره فإذا هو موافق لقول المنجم، فتم عليه الفناء المتحتم.
أخبرنى جدى لأمى قاضى القضاة كمال الدين أبو الفضل النويرى إذنا، وأخوه القاضى نور الدين على بن أحمد سماعا غير مرة: أن المعظم عيسى بن المغيث عمر بن العادل أبى بكر بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب أخبرهما سماعا بالحرم