وأما أخذ صدقة الفرض مع الغنى بالمال أو القوة على الكسب ممن له بالمهنة عادة: فحرام.
وأما إذا تعارض الاشتغال بالعبادة مع السؤال، أو الاشتغال بالكسب: فبين أهل الطريق فيه اختلاف.
والذى يظهر لى أن عمارة الزمن بالعبادة مع تضييع زمن يسير فى السؤال لتحصيل قيام النية أولى.
وأما الاشتغال بعلم فرض الكفاية: فإنه أولى من الاشتغال بالسبب مع الجهل، وإذا أبيح السؤال، وحصل ما يزيد على الكفاية، فإن ادخره لغيره فلا بأس.
وأما لنفسه، فحكمه فى طريق القوم: المنع، كان عليه السلام لا يدخر شيئا لغد.
وأما أكل الطيب، ولبس الناعم: فعند قصده لذلك، فهو ممنوع منه، وإن وقع شيء من ذلك، فإن اختار التقشف وإيثار الغيرية، كان فى حقه أولى، وإن وافق وأخذ بقدر الضرورة، فلا بأس.
وله أن يأكل بإدام، وله أن يدروز لعائلته ما يتم به كفايتهم، وكذلك لمن يرد عليه من الفقراء.
وحمل الزنبيل له فى الطريق شروط:
أحدها: خلوه عن الخط فيه، بل يمتثل ما يؤمر به من المتقدم عليه.
وثانيها: إحضار ما طرح فيه بين يدى من أقامه فى تلك الخدمة.
وثالثها: وجود الأمانة فيما يحمله إلى الجماعة حتى يأتى به موفرا لا يخرج شيئا منه لا لنفسه ولا لغيره.
ورابعها: أن يخرج وهو آيس من تعلق الأمل لجهة معينة، بل يقصد الله تعالى فى تيسير طلبه.
وخامسها: إن سأل شخصا معينا فلا يقف عنده بعد رده، إما بإباحة أو منع، ولا يفعل كما يفعل العوام من السؤال، ويقول: عاودوهم، فإن القلوب بيد الله تعالى.
وسادسها: إن سأل وهو مار فى طريقه فليأخذ ما يعطاه وهو مقبل، ولا يرجع لمن يريد أن يعطيه شيئا إذا ولى عنه، بل إن أراد المعطى يتبعه حتى يعطيه ذلك القدر، فإن رجع وأخذ منه كان خللا فيما التزمه من طريقه.