وأتى مكة لعشر بقين من ذى الحجة، فخطب الناس وقال: إنى بلغنى أن المأمون مات، وكان له فى عنقى بيعة، وكانت فتنته عمت الأرض فبايعنى الناس، ثم إنه بلغنى: أن المأمون حى صحيح، وأنا أستغفر الله من البيعة، وقد خلعت نفسى من بيعتى التى بايعتمونى عليها، كما خلعت خاتمى هذا من أصبعى، فلا بيعة لى فى رقابكم.
ثم نزل وسار سنة إحدى ومائتين إلى العراق، فسيره الحسن بن سهل إلى مرو. فلما سار المأمون إلى العراق صحبه، فمات بجرجان (٢).
وفى تاريخ الذهبى ـ بعد أن ذكر قدوم الديباجة إلى مكة بالأمان ـ: فصعد عيسى ابن يزيد الجلودى المنبر بمكة، وصعد دونه محمد بن جعفر عليه قباء أسود، فخلع نفسه، واعتذر عن خروجه: بأنه بلغه موت المأمون، وقد صح عندى الآن أنه حى، وأستغفر الله من فعله.
ثم خرج به عيسى الجلودى إلى العراق، فبعث به الحسن بن سهل إلى المأمون وبقى قليلا.
ثم مات فى شعبان سنة ثلاث ومائتين. فصلى عليه المأمون، ونزل فى لحده، وقال: هذه رحم قطعت من سنين.
وقيل: إن سبب موته: أنه جامع ودخل الحمام، وافتصد فى يوم واحد، فمات فجأة.
كتبت هذه الترجمة من تاريخ ابن الأثير، المسمى بالكامل، وتاريخ الإسلام للحافظ الذهبى، وجمعت بين ما ذكراه، وكل منهما: ذكر ما لم يذكر الآخر.
وقال فى حقه ابن الأثير: وكان شيخا محببا فى الناس، مفارقا لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة. وكان يروى العلم عن أبيه جعفر، وكان الناس يكتبون عنه.
وكان يظهر زهدا. فلما أتوه، قالوا: نعلم منزلتك فى الناس، فهلم نبايع لك بالخلافة، فإن فعلت لم يتخلف عليك رجلان. فامتنع من ذلك، فلم يزل به ابنه على وحسين بن حسن الأفطس، حتى غلباه على رأيه، وأجابهم.
فأقاموا فى ربيع الآخر، فبايعوه بالخلافة، وجمعوا الناس فبايعوه طوعا كرها، وسموه: أمير المؤمنين، فبقى شهورا وليس له من الأمر شئ. انتهى. وبعض هذا ذكرناه فيما سبق.
(٢) جرجان: بالضم، وآخره نون، وجرجان: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان، فالبعض يعدها من هذه والبعض يعدها من هذه. انظر: معجم البلدان ٢/ ١١٩ وما بعدها.