ابن الكامل، وأكرمه وولاه الخطابة بالجامع العتيق بمصر، والقضاء بها مع الوجه القبلى، وتصدى لنشر العلم والإفادة على أحسن سبيل. وهذا كله لا يخفى على أحد من أهل التحصيل.
وقال ابن مسدى فى ترجمة ابن عربى فى معجمه، بعد أن ذكر ما نقلناه عنه من شيوخ ابن عربى: يلقب بالقشيرى، لقبا غلب عليه لما كان يشير من التصوف إليه، ولقد خاض فى بحر تلك الإشارات، وتحقق بمحيى تلك العبارات، وتكون فى تلك الأطوار، حتى قضى ما شاء من لبانات وأوطار، ثم قال: وله تواليف كثيرة، تشهد له بالتقدم والإقدام، ومواقف النهايات ومزالق الأقدام.
وكان مقتدرا على الكلام، ولعله ما سلم من الكلام، وعندى من أخباره عجائب، ومن صحيح منقولاته غرائب. وكان ظاهرى المذهب فى العبادات، باطنى النظر فى الاعتقادات، ولهذا ما ارتبت فى أمره، والله أعلم بسره.
قال: ومن شعره المحكم الفصول، السالم من الفضول قوله (١):
يا غاية السول والمأمول يا سندى ... شوقى إليك شديد لا إلى أحد
ذبت اشتياقا ووجدا من محبتكم ... فآه من فرط شوقى آه من كمدى
يدى وضعت على قلبى مخافة أن ... ينشق صدرى لما خاننى جلدى
ما زال يرفعها طورا ويخفضها ... حتى وضعت يدى الأخرى لشديدى
انتهى.
وأنشدنى هذه الأبيات وغيرها من شعر ابن عربى أبو هريرة بن الذهبى، إذنا عن القاسم بن مظفر بن عساكر، عن ابن عربى إجازة.
وذكره القطب القسطلانى ـ على ما ذكر الأستاذ أبو حيان النحوى ـ فى كتاب ألفه القطب، فى ذكر الطائفة القائلة بالوحدة المطلقة فى الموجودات، ابتدأ فيه بالحلاج، وختم فيه بابن سبعين. فقال: انتقل ـ يعنى ابن عربى ـ من بلاد الأندلس إلى هذه البلاد بعد التسعين وخمسمائة. وجاور بمكة، وسمع بها الحديث، وصنف «الفتوحات المكية» بها.
وكان له لسان فى التصوف، ومعرفة لما انتحاه من هذه المقالات، وصنف بها كتبا كثيرة على مقاصده التى اعتقدها، ونهج فى كثير منها مناهج تلك الطائفة، ونظم فيها أشعارا كثيرة، وأقام بدمشق مدة، ثم انتقل إلى الروم، وحصل له فيها قبول وأموال جزيلة، ثم عاد إلى دمشق، وبها توفى. انتهى.