والخطرات والفكرة، واستحكم ذلك، حتى شاهد بقوة الخيال أشياء، ظنها موجودة فى الخارج، وسمع من طيش دماغه خطابا، اعتقده من الله، ولا وجود لذلك أبدا فى الخارج، حتى إنه قال: لم يكن الحق أوقفنى على ما سطره لى فى توقيع ولايتى أمور العالم، حتى أعلمنى بأنى خاتم الولاية المحمدية بمدينة فاس، سنة خمس وتسعين.
فلما كانت ليلة الخميس فى سنة ثلاثين وستمائة، أوقفنى الحق على التوقيع بورقة بيضاء فرسمته بنصه: هذا توقيع إلهى كريم، من الرءوف الرحيم إلى فلان. وقد أجزل له رفده، وما خيبنا قصده، فلينهض إلى ما فوض إليه، ولا تشغله الولاية عن المثول بين أيدينا شهرا بشهر، إلى انقضاء العمر. انتهى.
وهذا الكلام فيه مؤاخذات على ابن عربى.
منها: إن كان المراد بما ذكره من أنه خاتم الولاية المحمدية، أنه خاتم الأولياء، كما أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فليس بصحيح، لوجود جمع كثير من أولياء الله تعالى العلماء العاملين فى عصر ابن عربى، وفيما بعده على سبيل القطع، وإن كان المراد أنه خاتم الأنبياء بمدينة فاس، فهو غير صحيح أيضا، لوجود الأولياء الأخيار بها بعد ابن عربى. وهذا من الأمر المشهور.
أنشدنى شيخنا المحدث، شمس الدين محمد بن المحدث ظهير الدين إبراهيم الجزرى، سماعا من لفظه فى الرحلة الأولى بظاهر دمشق، أن الحافظ الزاهد شمس الدين محمد بن المحب عبد الله بن أحمد المقدسى الصالحى، أنشده لنفسه سماعا، وأنشدنى ذلك إجازة، شيخنا ابن المحب المذكور:
دعى ابن العريبى الأنام ليقتدوا ... بأعورة الدجال فى بعض كتبه
وفرعون أسماه لكل محقق ... إماما ألا تباله ولحزبه
وسئل عنه شيخنا العلامة المحقق الحافظ المفتى المصنف، أبو زرعة أحمد بن شيخنا الحافظ العراقى الشافعى، أبقاه الله تعالى، فقال: لا شك فى اشتمال «الفصوص» المشهورة على الكفر الصريح الذى لا يشك فيه. وكذلك «فتوحاته المكية» فإن صح صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته، فهو كافر مخلد فى النار بلا شك.
وقد صح عندى عن الحافظ جمال الدين المزى، أنه نقل من خطه فى تفسير قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)[البقرة: ٦] كلاما ينبو عنه السمع، ويقتضى الكفر، وبعض كلماته لا يمكن تأويلها، والذى يمكن تأويله منها، كيف يصار إليه مع مرجوحية التأويل، والحكم إنما يترتب على الظاهر.