وانتصب للإقراء بالحرم الشريف، عند أسطوانة فى محاذاة باب أجياد، وأخذ خطوط من عاصره من أمراء مكة وقضاتها، بالجلوس عندها.
وذكر لنا، أنه كان يتأثر ممن يجلس عندها، حتى فى غيبته، لخيال وهمى قام فى ذهنه فى ذلك، وقام هذا الخيال بذهنه، حتى فى تحديثه، فإنه لم يحدث إلا باليسير من مروياته، متسترا فى منزله غالبا، مع تبرم يظهر منه غالبا فى ذلك.
وخرج لنفسه جزءا صغيرا، ولغيره مشيخات وغيرها، على غير اصطلاح الناس، وسلك فى التخريج طريقة لا تحمد، وهى أنه يدرج فى الإسناد ما لم يقع به الإخبار.
ومثال ذلك: أن الرضى الطبرى مثلا، سمع جزء سفيان بن عيينة على ابن الجميزى، وله إجازة من سبط السلفى، وهما سمعاه من السلفى، لكن لم يحدث به الرضى، إلا عن ابن الجميزى فقط، فسمعه منه جماعة كذلك، فيأتى ابن سكر، فيخرج منه شيئا لمن سمعه على الرضى، ويقول له: أخبرك الرضى الطبرى سماعا، قال: أخبرنا ابن الجميزى سماعا، وسبط السلفى إجازة، قالا: أخبرنا السلفى، وإنما لم يحسن هذا، لكونه على خلاف عمل أهل الحديث من أهل عصرنا، وغير [ .... ](٢) فإنهم مازلوا ينبهون على ما يقع به الإخبار فى السماع والرواية.
ومثال ذلك فى السماع: أن يكون لإنسان إسناد متعدد، فيقرأ، ثم يأتى شخص بعد قراءته، ويسمع بعض المقروء بهذا الإسناد، ويعاد له بعض طرق الإسناد، فينبهون على ما سمع من الإسناد.
ومثال ذلك فى الرواية: أن يكون لإنسان شيخان مثلا فى جزء، فيحدث به مرة عنهما، ويسمعه بذلك شخص، ويحدث به مرة عن أحدهما، ويسمعه بذلك آخر، ثم يجمع بين السامعين عليه فى الرواية.
ولمم يقع الإخبار فى رواية فلان عن فلان، إلا عن فلان فقط. ومثل هذا كثير، لا يخفى على من له أدنى نباهة، ولا يحتاج إلى استدلال.
وشاهدنا منه أيضا تساهلا آخر فى تسميعه لأهل بيته، فإنهم يكونون غالبا من وراء حجاب، ويقومون ويبعدون عن مجلس السماع، بحيث لا يسمعون إلا صوتا غفلا، وربما لا يسمعون شيئا، فيأمر بكتابتهم فى الطباق، من غير تنبيه على ذلك، ويغضب