وقد ذكره صاحب مرآة الزمان فقال بعد نسبه: وزير الموصل، وكانت الموصل فى أيامه ملجأ لكل ملهوف، ومفزعا لكل مكروب، ولم يكن فى زمانه من يضاهيه ولا يقاربه فى الجود والنوال، والإحسان والإفضال.
وكان كثير الصلات، عزيز البر والصدقات، بنى مسجد الخيف بمنى، وغرم عليه أموالا كثيرة، وجدد الحجر إلى جانب الكعبة، وزخرف البيت بالذهب، وبنى أبواب الحرم، وشيدها ورفع أعتابها صيانة للحرم، وبنى المسجد الذى على جبل عرفة، والدرج التى يطلع فيها إليه.
وكان الناس يعانون فى صعود شدة، وأجرى الماء إلى عرفات، وعمل البرك والمصانع، وأجرى الماء فى قنوات، وكان يعطى أهل مكة فى كل سنة مالا عظيما، ليجروا الماء إلى عرفات.
وبنى على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سورا، وكانت الأعراب تنهبها وتغير عليها.
فكان الخطيب يقول على المنبر: اللهم صن حرم من صان حرم نبيك صلى الله عليه وسلم، وهو محمد ابن على الأصبهانى.
وكانت صدقته وصلاته فى المشرق والمغرب، يبعث بها إلى خراسان والعراق والبصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر والحجاز واليمن، فيعم الفقهاء والعلماء والزهاد وأرباب البيوت وغيرهم. وما خيب من قصده.
وكان له فى كل يوم خارج عن أرباب البيوت: مائة دينار، يتصدق بها على باب بنى شيبة، ولأجل هذا الخرج العظيم، كان ينسب إلى عمل الكيمياء، وحوشى من ذلك وبنى الجسور والقناظر، والربط، والجسر الذى بناه على دجلة عند جزيرة ابن عمر، بالحجر المنحوت والرصاص، وأوثقه بالحديد بين البنيان.
وبنى الرباط بالموصل وسنجار (١) ونصيبين. وكان إذا قل ما بيده باع بسط داره وثيابه، ويتصدق بها. وكان يبعث إلى عمر الملا بالأموال فيتصدق بها. وكان قد وقع بالموصل قحط، فكان يقول: هذه أيام المواساة.
٣٣٠ ـ (١) سنجار: هى برية الثرثار، ومدينتها الحضر، وهى كلها من الجزيرة، وفى سنجار فوهة نهر الخابور، ويمر حتى يصب فى الفرات. انظر: معجم البلدان (سنجار)، الروض المعطار ٣٢٦، معجم ما استعجم ٣/ ٧٦٠، آثار البلاد ٣٩٣.