للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر وفاته: لما سارت الركبان بجوده، وعم بمعروفه أهل الدنيا، حسده أقوام، فكذبوا عليه عند قطب الدين، وقالوا: إنه يأخذ أموالك فيتصدق بها، وما كان قطب الدين يقدر على قبضه، لما كان بينه وبين زين الدين من المصافاة، فوضع من أغرى بينه وبين زين الدين، فتغير عليه، فقبض عليه قطب الدين، واعتقله فى قلعة الموصل فقال ابن المعلم الشاعر (٢):

إن يعزلوك لمعروف سمحت به ... على ذوى الأرض ذات العرض والطول

فأنت يا واحد الدنيا وسيدها ... بذلك الجود فيها غير معزول

ثم ندم زين الدين، على موافقته لقطب الدين على قبضه؛ لأن خواص قطب الدين، الذين كانت أيديهم مقبوضة عن التصرف، لما قبض جمال الدين، انبسطوا فى الأمر والنهى على خلاف غرض زين الدين. وأقام فى الحبس سنة، ثم توفى.

وحكى أبو القاسم الصوفى ـ وكان صاحبه ـ قال: قال لى جمال الدين: كنت أخشى أن أنقل من الدست إلى القبر، فلو جاء الموت الآن ما كرهته، ثم قال لى: يا أبا القاسم، إذا جاء طائر أبيض إلى الدار فعرفنى. فقلت فى نفسى: قد اختلط الرجل.

فلما كان من الغد، سقط طائر أبيض لم أر مثله، فعرفته، فاستبشر وقال: جاء الحق.

ثم قال: بينى وبين أسد الدين شيركوه عهد: من مات منا قبل صاحبه حمله إلى المدينة، وعملا قبرين ـ فاذهب إلى أسد الدين وذكره. وأقبل على ذكر الله وتشهد حتى مات. وطار الطائر، ودفن فى تابوت بالموصل وذلك فى رمضان.

ومضى أبو القاسم إلى أسد الدين، فأخبره، فقال: صدق. وأعطاه مالا صالحا يحمله به، ويقرئ بين يدى تابوته عند النزول وعند الرحيل، وأن ينادى بالصلاة عليه فى كل بلد.

فخرجوا بتابوته على هذه الهيئة، فقدموا به بغداد، ونزلوا به الشونيزية، ولم يبق ببغداد أحد إلا خرج، وخصوصا من كان له إليه إحسان. فصلوا عليه وبكوا وترحموا.

ثم خرجوا به إلى الحلة والكوفة، وزاروا به المشهدين. فقام بعض العلويين بالكوفة على تل عال. فلما مر بجنازته رفع صوته وقال:

سرى نعشه فوق الرقاب وطال ما ... سرى بره فى العالمين ونائله (٣)


(٢) انظر: (مرآة الزمان حوادث سنة ٥٥٩).
(٣) فى وفيات الأعيان (٥/ ١٤٦):
سرى نعشه فوق الرقاب وطالما ... سرى جوده فوق الركاب ونائله

<<  <  ج: ص:  >  >>