بالسلطنة، وخطب له بالديار المصرية، وهو إذ ذاك بالكرك، فى ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، ثم أحضر إليها، واستمر سلطانا إلى أن أظهر التخلى عن الملك، لما تم عليه من كثرة الحجر من نائبه سلار، وأستاداره بيبرس الجاشنكير، حتى قيل إنه منع من خروف مشوى اشتهاه.
وكان تخليه عن الملك، فى آخر سنة ثمان وسبعمائة، بعد أن صار بالكرك، وكان توجه إليها مظهرا لقصد الحج منها، ولما عرف الأمراء بمصر بإعراضه، تسلطن عوضه بيبرس الجاشنكير، وتلقب بالمظفر، وناب له سلار، واستوسق (٣) له الأمر، وأقام الناصر إلى أثناء سنة تسع وسبعمائة، ثم توجه منها إلى دمشق، راجيا للملك، وحرك عزمه على ذلك، جماعة من المماليك هربوا إليه من مصر، وراسل الناصر الأفرم نائب دمشق؛ ليكون معه فتوقف. وقال ما معناه: كيف يكون هذا وقد أمرنا بالطاعة لغيره ـ يعنى المظفر ـ لأن الناصر كان كتب من الكرك لما تخلى عن الملك إلى نواب البلاد، يأمرهم بالطاعة لمن يتسلطن عوضه، ثم إن الأفرم خذل وفرّ إلى الشقيف؛ ووصل إلى الناصر، قراسنقر المنصورى وغيره من نواب البلاد الشامية، وسار بمن انضم إليه إلى الديار المصرية، فوصلها سالما، وجلس على سرير الملك بها، فى يوم عيد الفطر من سنة تسع وسبعمائة، وكان المظفر بيبرس قد توجّه من مصر لقصد الناصر؛ فبان عن المظفر جماعة من أمرائه، وقصدوا الناصر، فخذل المظفر.
ورجع إلى مصر، بعد أن تفرق عنه عسكره، ثم أرسل إلى الناصر يطلب منه الأمان، وأن ينعم عليه بمكان يأوى إليه فى غلمانه، فأجابه إلى ذلك، وعين له مكانا، ثم تغير عن ذلك الناصر بعد قليل، واستدعى المظفر إليه فقتله، وأباد الناصر جماعة من أعدائه. وقيل: إنه قبض ـ لما عاد إلى مصر ـ على السماط اثنين وثلاثين أميرا، وتمهد له الأمر حتى مات، وهادته الملوك، وفعل أفعالا جميلة.
منها: جامع أنشأه على شاطئ النيل بمصر، يعرف الآن بالجامع الجديد، ومدرسة بالقاهرة، بين القصرين، وتعرف بالناصرية، وقرّر بها دروسا فى المذاهب الأربعة، والقراءات، والتفسير، والعربية، وطلبة وتصادير وغير ذلك، وخانقاه للصوفية بسرياقوس، وغير ذلك، وحج ثلاث مرات، الأولى: فى سنة اثنتى عشرة، والثانية: فى سنة تسع عشرة، والثالثة: فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وجهزّ إلى مكة العساكر غير مرة، لتمهيد أمرها، ولتأييد من يوليه إمرتها من أولاد أبى نمىّ، واتفق له من نفوذ
(٣) وسقه: جمعه وحمله. أى: اجتمع له أمور الحكم. انظر القاموس المحيط (مادة: وسق).