الأمر بمكة والحجاز، ما لم يتفق لأحد من مملوك الترك بمصر، وأنجد الملك المجاهد صاحب اليمن بعسكر، أيام حرب المجاهد، والظاهر بن المنصور أيوب بن المظفر.
ومن محاسنه: أنه كان معظما لمنصب الشرع، وقد صحّ لى عن قاضى القضاة عز الدين بن جماعة أنه قال: كان الملك الناصر ـ يعنى المذكور ـ يدعونى فى دار العدل بحضرة الأمراء، ويذكر لى سرا ما ليس فى السرّية كبير فائدة، وظهر لى أن الذى يحمله على ذلك، تعظيم منصب الشرع عند الحاضرين.
ومما اتفق له ولم يتفق لملك من بعده، أنه أجاز الصفى الحلى على قصيدة مدحه بها بمائة ألف درهم، وعدد أبياتها مائة بيت.
وولى السلطنة من أولاده لصلبه ثمانية، وهم: المنصور أبو بكر، ثم الأشرف كجك، ثم الناصر أحمد صاحب الكرك، ثم الصالح إسماعيل، ثم الكامل شعبان، ثم المظفر حاجى، ثم الناصر حسن، ثم الصالح صالح، ولم يتفق ذلك لملك سواه ولا لخليفة. وأكثر ما يعرف فى ذلك أربعة لرجل واحد، وهم: الوليد، وسليمان، ويزيد وهشام، أولاد عبد الملك بن مروان، وثلاثة، وهم: الأمين، والمأمون، والمعتصم، أولاد الرشيد العباسى، والراضى، والمتقى، والمطيع، بنو المقتدر.
ويقال: إن جيش مصر، كان فى أيام الناصر المذكور، أربعة وعشرون ألف مقاتل. ولم يتفق ذلك بعده. وسببه: أن الناصر كان يرى تكثير المقاتلة، فلا يعطى كلا منهم إلا قدر كفايته أو أزيد بقليل، ولم ير ذلك الولاة بعده، وأعطوا لكل من يحبونه أضعاف ما كان يعطيه الناصر.
ووجدت بخط الحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطى فى وفياته، ترجمة للملك الناصر هذا، ذكر فيها من حاله قليلا مما ذكرناه، ثم قال: وكان من المعرفة لسياسة الملك على أمر عظيم، لا يكاد أحد يعرف ما فى باطنه. وكان كثير التحيل، يقرب من يقرب ممن يختاره من مماليكه إلى منزلة لم يبلغها أحد، ثم يسلبه تلك النعمة فى ساعة واحدة، ويهلكه غير محتفل به. انتهى.
وقال ابن شاكر فى ترجمته: وكان راتبه من اللحم لمطبخه ولمماليكه وغيرهم: ستة وثلاثين ألف رطل مصرى، وبالغ فى شراء الخيل، حتى اشترى بيت الكرمدى بمائتى ألف. وبالغ فى شراء المماليك، حتى اشترى بخمسة وثلاثين ألف درهم. انتهى. يعنى: الواحد من المماليك.