توفى فى ضحوة يوم الجمعة ثانى جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة، ودفن بالمعلاة بعد العصر، وقد رثاه جماعة من أهل مكة بقصائد، نذكر شيئا منها فى تراجمهم، ويقال: إن الجن بكته، ومدحه غير واحد، منهم: النجم الطوفى العالم المشهور، بثلاثة أبيات لها موجب، وهو أنه حضر بالمدينة النبوية، عند قاضيها عمر بن أحمد بن الخضر الأنصارى الشافعى المعروف بالسراج فى درسه، فتكلم معه فى العلم، فلم ينصفه السراج، ثم قدم النجم الطوفى إلى مكة عند قاضيها نجم الدين الطبرى، وتكلم معه فى العلم فأنصفه وأكرمه، فقال فى الرجلين:
سراج بالمدينة ثم نجم ... بمكة أصبحا متناقضين
فهذا ما علمت له بزين ... وهذا ما علمت له بشين
فأطفأه المهيمن من سراج ... وأبقى النجم نور المشرقين
أخبرنى بذلك بعض مشايخنا عن العفيف المطرى. وقد أخبرنى شيخنا العلامة القاضى جمال الدين بن ظهيرة، أن الشيخ عفيف الدين عبد الله بن الزين الطبرى، أخبره أن القاضى نجم الدين كان جالسا فى جمع حفل، فقام رجل من المجلس فأنشد:
يا أيها الجمع المنظم شمله ... بشيوخه وكهوله وشبابه
هل فيكم من منتم إلا له ... أو فيكم متجمل إلا به
ومن محفوظات القاضى نجم الدين: المحرر للرافعى.
وبلغنى: أنه دخل إلى اليمن، مع جدّه الشيخ محب الدين الطبرى، وأن الملك المظفر أو غيره من الأعيان، التمس من الشيخ محب الدين نسخة من المحرر فقال: ليس معى منه نسخة، وإنما ابنى هذا ـ يعنى القاضى نجم الدين يحفظه، وهو يمليه عليكم، فأملاه عليهم القاضى نجم الدين، ثم عارضوا ما أملاه عليهم على نسخة ظفروا بها، فلم يجدوا خلافا إلا بالعطف بالواو والفاء، فى مسائل قليلة.
هذا ما بلغنى فى هذه الحكاية بالمعنى.
ورأيت جوابا للقاضى نجم الدين الطبرى، على فتيا يحسن ذكرها لما فيه من الفائدة بالنسبة إلى أهل مكة. ونص السؤال بعد البسملة: ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين، وعلماء المسلمين، فسح الله فى مدتهم، ونفع ببركتهم: فى رجل باع من رجل مبيعا بدراهم مسعودية، فى نخلة، ونقدها يخالف نقد مكة المشرفة، هل يلزمه نقد نخلة أو نقد مكة، ولو أنه شرط له حالة البيع، نقد مكة وجوازها، فبطلت تلك السكة الأولى، وظهرت سكة أخرى. هل يلزمه القديمة أم الجديدة؟ .