(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) أي إن هذا الذي أنزلناه عليك أيها النبي من خفىّ أمور هؤلاء اليهود المعاصرين لك، ومن أحوال سلفهم، وشئون كتبهم، وحقائق تاريخهم- هو من أعظم الأدلة على نبوتك، وكان ينبغى أن يجذبهم إلى الإيمان بك، إذ لولا النبوة والوحى ما علمت من هذا شيئا، فلا تعرف الماضي لأنك أمي لم تقرأ الكتب، ولا تعرف الحاضر لأنه من مكرهم الخفىّ، وكيدهم السّرّى- لكنهم لطغيانهم وتجاوزهم الحدود فى الكفر والحسد للعرب لم يجذبهم ذلك إلى الإيمان، ولم يقرب إلا قليلا منهم، وو الله ليزيدين ذلك كثيرا منهم طغيانا فى بغضك وعداوتك، وكفرا بما جئت به.
وقال قتادة: حملهم حسد محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه.
(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي وألقينا بين اليهود والنصارى العداوة والبغضاء فهى لا تنقطع أبدا، وهى على أشدها الآن فى روسيا وألمانيا، وأقلها فى انجلترا وفرنسا.
واليهود مع كونهم المديرين لأعظم الأعمال المالية ولهم النفوذ والتأثير فى السياسة وسائر شئون الاجتماع مبغوضون من جماهير النصارى.
وقد ألّفت كتب كثيرة فى فرنسا وغيرها فى التحريض عليهم، واستأصلت شأفتهم ألمانيا وكثير من البلاد المجاورة لها بعد الحرب العظمى، وأصبح هذا الشعب عندهم من أقبح شعوب العالم، وكذلك العداوة بين بعض النصارى وبعض لا تزال آثارها تظهر بين حين وآخر لدى الدول الكبرى القوية، فهى دائما فى استعداد لحرب يسحق بها بعضهم بعضا، والحرب القائمة الآن بين الدول المسيحية الكبري أكبر برهان على صدق ذلك.
(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) أي كلما هموا بالكيد للرسول وللمؤمنين الصادقين خذلهم الله، وهم إما أن يخيبوا فى سعيهم ولا يتم لهم ما أرادوا من الإغراء والتحريض، وإما أن ينصر الله رسوله والمؤمنين.