مصالح الأمم والحكومات، بل قد أصبح كثير من العلماء يعد الاشتغال بالعلوم والفنون التي تتوقف عليها مصالح الدنيا، صادّا عن الدين مبعدا عنه.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) أي ويسألونك عن القيام بأمر اليتامى، أو عن مخالطتهم وكفالتهم.
أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم عن ابن عباس قال: لما نزلت آية «وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»
وآية «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى» انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) الآية.
وأشد ما ورد في الوصية باليتامى قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً» وقد كان السابقون الأولون من المؤمنين يحفظون حدود الله ويأخذون القرآن بقوة، فتحدث لهم ذكرى وعظة لا يجد مثلها من بعدهم ممن لم يفهم القرآن كما فهموا.
وهذه الوصايا باليتامى ملكت على المؤمنين نفوسهم فتركتهم في حيرة وحرج من أمر القيام على اليتامى واستغلال أموالهم خوفا من أن ينالهم شىء من الظلم، وتأثّم الصحابة من مخالطة اليتامى، فكان بعضهم يأبى القيام على اليتيم، وبعضهم يعزل اليتيم عن عياله، فلا يخالطونه في شىء حتى إنهم كانوا يطبخون له وحده، ثم فطنوا إلى ما في هذا من الحرج مع عدم المصلحة لليتيم، بل فيه مفسدة له في تربيته وضياع لماله، إلى ما في ذلك من الاحتقار والإهانة له، فيكون كالكلب أو كالداجن في مأكله ومشربه، ومن ثم احتاجوا إلى السؤال عما يجمع بين المصلحتين: مصلحة اليتيم ليعيش فى بيت كافله عزيزا كأحد عياله، ومصلحة الكافل فيسلم من أكل شىء من ماله بغير حق، فأجيبوا بقوله تعالى: