للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعلانه لك، فهم يظهرون أنهم يسألون مسترشدين طالبين النصر بقولهم (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) ويبطنون الإنكار والتكذيب.

(يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) أي يقولون لو كان أمر النصر والظفر بأيدينا كما ادعى محمد أن الأمر كله لله ولأوليائه، وأنهم الغالبون لما غلبنا، ولما قتل من المسلمين من قتل فى هذه المعركة.

وهذا منهم تقرير لرأيهم واستدلال عليه بما وقع لهم، وقد غفلوا عن أن الآجال محدودة، والأعمار موقوتة بوقت لا تعدوه، ومن ثم أمر الله نبيه أن يجيبهم بقوله:

(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) أي لو كنتم فى بيوتكم ولم تخرجوا للقتال- لخرج من بينكم من انتهت آجالهم وثبت فى علم الله أنهم يقتلون إلى حيث يقتلون ويسقطون فى البراز (الأرض المستوية) فتكون مصارع ومضاجع لهم.

والخلاصة- إن الحذر لا يدفع القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير فالذين قدر عليهم القتل لا بد أن يقتلوا على كل حال، وإلا انقلب علم الله جهلا، فقتل من قتل إنما جاء لانتهاء آجالهم كما قدر ذلك فى اللوح المحفوظ، وكتب مع ذلك أنهم هم الغالبون، وأن العاقبة لهم، وأن دين الإسلام سيظهر على الدين كله.

(وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) أي وقد فعل ذلك ليكون القتل عاقبة من انتهت آجالهم، وليمتحن ما فى صدور المؤمنين من الإخلاص وعدمه، فيظهر ما انطوت عليه من ضعف وقوة، ويمحص ما فى قلوبهم من وساوس الشيطان، ويطهرها حتى تصل إلى الغاية القصوى من الإيقان.

وقد قيل: لا تكرهوا الفتن، فإنها حصاد المنافقين.

(وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي عليم بالأسرار والضمائر، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء.

وفى هذا ترغيب وترهيب، وتنبيه إلى أن الله غنى عن الابتلاء والامتحان،

<<  <  ج: ص:  >  >>