من جهة دلالتها على وجود خالق واحد له العلم والقدرة، ويتبع ذلك صدق الرسل وأن الكتب التي أنزلت عليهم مفصّلة لأحكام التشريع، حاوية لكامل الآداب، وجميل الأخلاق، ولما يلزم نظم المجتمع فى هذه الحياة، وللحساب والجزاء على الأعمال بدخول الجنة والنار.
وإنما ذكر التفكر فى خلق الله، لورود النهى عن التفكر فى الخالق، لعدم الوصول إلى حقيقة ذاته وصفاته.
فقد أخرج الأصبهانى عن عبد الله بن سلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال: «تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق»
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تفكروا فى آلاء الله ولا تفكروا فى الله تعالى» .
(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ) أي يقول الذاكرون المتفكرون: ربنا ما خلقت هذا الذي نشاهده من العوالم العلوية والأرضية باطلا، ولا أبدعته عبثا، سبحانك ربنا تنزهت عن الباطل والعبث، بل كل خلقك حق مشتمل على حكم جليلة ومصالح عظيمة.
والإنسان بعض خلقك لم يخلق عبثا، فإن لحقه الفناء، وتفرقت منه الأجزاء، بعد مفارقة الأرواح للأبدان، فإنما يهلك منه كونه الفاسد أي الجسم، ثم يعود بقدرتك فى نشأة أخرى كما بدأته فى النشأة الأولى، فريق أطاعك واهتدى، وفريق حقت عليه الضلالة فالأول يدخل الجنة بصالح أعماله والآخر يكبّ فى النار بما اجترح من السيئات، وما عمل من الموبقات، جزاء وفاقا.
والخلاصة- إن المؤمن المتفكر يتوجه إلى الله بمثل هذا الثناء والدعاء والابتهال بعد أن رأى الدلائل على بديع الحكمة، وواسع العلم بدقائق الأكوان التي تربط الإنسان بربه.
وفى هذا تعليم للمؤمنين كيف يخاطبون ربهم عند ما يهتدون إلى شىء من معانى إحسانه وكرمه فى بدائع خلقه.