للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٥٧٠ - إِذْ نِسْبَةُ الْمُفْتِي إِلَى الْمُقَلِّدِ … كَنِسْبَةِ الدَّلِيلِ لِلْمُجْتَهِدِ

عليه الوقف في ذلك "إذ نسبة المفتي" بالنظر "إلى المقلد" له "كنسبة الدليل للمجتهد"، فلا فرق بين مصادفة المجتهد الدليل ومصادفة العامي المفتي، فتعارض الفتويين عليه كتعارض الدليلين على المجتهد، فكما أن المجتهد لا يجوز في حقه اتباع الدليلين معا، ولا اتباع أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح، كذلك لا يجوز للعامي اتباع المفتيين معا، ولا أحدهما من غير اجتهاد ولا ترجيح. وبعض الناس قد يعد القولين بالنسبة إليه مخيرا فيهما كما يخير في خصال الكفارة، وبذلك يتبع هواه، وما يوافق غرضه دون ما يخالفه، وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين المتأخرين، وقواه بما روي من قوله - عليه الصلاة والسلام -: "أصحابي كالنجوم" وقد مر الجواب عنه، وإن صح فهو معمول به فيما إذا ذهب المقلد عفوا فاستفتى صحابيا أو غيره فقلده فيما أفتاه به فيما له أو عليه. وأما إذا تعارض عنده قولا مفتيين فالحق أن يقال: ليس بداخل تحت ظاهر الحديث، لأن كل واحد منهما متبع لدليل عنده يقتضي ضد ما يقتضيه دليل صاحبه، فهما صاحبا دليلين متضادين، فاتباع أحدهما بالهوى اتباع للهوى، وقد مر ما فيه، فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها. وأيضا فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد؛ فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف كذلك المقلد. ولو جاز تحكيم التشهي والأغراض في مثل هذا لجاز للحاكم وهو باطل بالإجماع. وأيضا فإن في مسائل الخلاف ضابطا قرآنيا ينفي اتباع الهوى جملة، وهو قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] وهذا المقلد قد تنازع في مسألته مجتهدان فوجب ردها إلى الله والرسول، وهو الرجوع إلى الأدلة الشرعية، وهو أبعد من متابعة الهوى والشهوة.

فاختياره أحد المذهبين بالهوى والشهوة مضاد للرجوع إلى الله والرسول. وهذه الآية نزلت على سبب فيمن اتبع هواه بالرجوع إلى حكم الطاغوت، ولذلك أعقبها بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [النِّسَاء: ٦٠] الآية (١)؛ وهذا يظهر أن مثل هذه القضية لا تدخل تحت قوله: "أصحابي كالنجوم" وأيضا فإن ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل. وأيضا فإنه مؤد إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن


(١) الموافقات ٤/ ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>