للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حاصل الأمر مع القول بالتخيير أن للمكلف أن يفعل إن شاء ويترك إن شاء، وهو عين إسقاط التكليف، بخلاف ما إذا تقيد بالترجيح فإنه متبع للدليل، فلا يكون متبعا للهوى ولا مسقطا للتكليف. لا يقال: إذا اختلفا فقلد أحدهما قبل لقاء الآخر جاز فكذلك بعد لقائه، والاجتماع طردي.

لأنا نقول: كلا، بل للاجتماع أثر لأن كل واحد منهما في الافتراق طريق موصل، كما لو وجد دليلا ولم يطلع على معارضه بعد البحث عليه جاز له العمل. أما إذا اجتمعا واختلفا عليه فهما كدليلين متعارضين اطلع عليهما المجتهد. ولقد أشكل القول بالتخيير المنسوب إلى القاضي ابن الطيب، واعتذر عنه بأنه مقيد لا مطلق، فلا يخير إلا بشرط أن يكون في تخييره في العمل بأحد الدليلين قاصدا لمقتضى الدليل في العمل المذكور، لا قاصدا لاتباع هواه فيه، ولا لمقتضى التخيير على الجملة، فإن التخيير الذي هو معنى الإباحة مفقود ههنا، واتباع الهوى ممنوع فلابد من هذا القصد. وفي هذا الاعتذار ما فيه، وهو تناقض، لأن اتباع أحد الدليلين من غير ترجيح محال، إذ لا دليل له مع فرض التعارض من غير ترجيح فلا يكون هنالك متبعا إلا هواه.

"فصل"

وقد أدى إغفال هذا الأصل إلى أن صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره من الأقوال، اتباعا لغرضه وشهوته، أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق. ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلا عن زماننا كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعا للغرض والشهوة، وذلك فيما لا يتعلق به فصل قضية وفيما يتعلق به ذلك (١).

فأما ما لا يتعلق به فصل قضية بل هو فيما بين الإنسان وبين نفسه في عبادته أو عادته ففيه من المعايب ما تقدم. وحكى عياض في المدارك قال موسى بن معاوية: كنت عند البهلول بن راشد إذ أتاه ابن فلان، فقال له بهلول: ما أقدمك؟ قال نازلة، رجل ظلمه السلطان فأخفيته وحلفت بالطلاق ثلاثا ما أخفيته. قال له البهلول: مالك يقول إنه


(١) الموافقات ٤/ ص ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>