يحنث في زوجته. فقال السائل: وأنا قد سمعته يقول وإنما أردت غير هذا. فقال: ما عندي غير ما تسمع. قال فتردد إليه ثلاثا كل ذلك يقول له البهلول قوله الأول. فلما كان في الثالثة أو الرابعة قال: يا ابن فلان ما أنصفتم الناس، إذا أتوكم في نوازلهم قلتم:(قال مالك). (قال مالك) فإن نزلت بكم النوازل طلبتم لها الرخص، الحسن يقول: لا حنث عليه في يمينه فقال السائل: الله أكبر قلدها الحسن أو كما قال.
وأما ما يتعلق به فصل قضية بين خصمين فالأمر أشد. وفي الموازية كتب عمر بن الخطاب: لا تقضي بقضائين في أمر واحد فيختلف عليك أمرك. قال ابن المواز: لا ينبغي للقاضي أن يجتهد في اختلاف الأقاويل، وقد كره مالك ذلك ولم يجوزه لأحد. وذلك عندي أن يقضي بقضاء بعض من مضى، ثم يقضي في ذلك الوجه بعينه على آخر بخلافه، وهو أيضا من قول من مضى، وهو في أمر واحد. ولو جاز ذلك لأحد لم يشأ أن يقضي على هذا بفتيا قوم ويقضي في مثله بعينه على قوم بخلافه بفتيا قوم آخرين إلا فعل. فهذا ما قد عابه من مضى وكرهه مالك ولم يره صوابا. وما قاله صواب؛ فإن القصد من نصب الحكام رفع التشاجر والخصام، على وجه لا يلحق فيه أحد الخصمين ضرر، مع عدم تطرق التهمة للحاكم. وهذا النوع من التخيير في الأقوال مضاد لهذا كله.
وحكى أحمد بن عبد البر أن قاضيا من قضاة قرطبة كان كثير الاتباع ليحيى بن يحيى، لا يعدل عن رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء، فوقعت قضية تفرد فيها يحيى وخالف جميع أهل الشورى، فأرجأ القاضي القضاء فيها حياء من جماعتهم (١) وردفته قضية أخرى كتب بها إلى يحيى، فصرف يحيى رسوله، وقال له: لا أشير عليه بشيء؛ إذ توقف على القضاء لفلان بما أشرت عليه. فلما انصرف إليه رسوله وعرفه بقوله قلق منه، وركب من فوره إلى يحيى، وقال له لم أظن أن الأمر وقع منك هذا الموقع، وسوف أقضي له غدا إن شاء الله. فقال له يحيى: وتفعل ذلك صدقا؟ قال نعم. قال له: فالآن هيجت غيظي؛ فإني ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرا لله، متخيرا في الأقوال، فأما إذ صرت تتبع الهوى وتقضي برضا مخلوق ضعيف فلا خير فيما تجيء به، ولا فيَّ إن رضيته منك، فاستعف من ذلك فإنه أستر لك، وإلا رفعت في عزلك. فرفع يستعفى فعزل.