وقصة محمد بن يحيى بن لبابة أخ الشيخ ابن لبابة مشهورة، ذكرها عياض، وكانت مما غض من منصبه (١).
وذلك أنه عزل عن قضاء البيرة لرفع أهلها عليه، ثم عزل عن الشورى لأشياء نقمت عليه، وسجل بسخطته القاضي حبيب بن زياد، وأمر بإسقاط عدالته وإلزامه بيته، وأن لا يفتي أحدا، فأقام على ذلك وقتا؛ ثم إن الناصر احتاج إلى شراء مجشر من أحباس المرضى بقرطبة بعدوة النهر، فشكا إلى القاضي ابن بقي أمره وضرورته إليه، لمقابلته متنزهه وتأذيه برؤيتهم أوان تطلعه من علاليه، فقال له ابن بقي: لا حيلة عندي فيه، وهو أولى أن يحاط بحرمة الحبس. فقال له: فتكلم مع الفقهاء فيه، وعرفهم رغبتي وما أجزله من أضعاف القيمة فيه، فلعلهم أن يجدوا لي في ذلك رخصة. فتكلم ابن بقي معهم، فلم يجعلوا إليه سبيلا. فغضب الناصر عليهم، وأمر الوزراء بالتوجه فيهم إلى القصر وتوبيخهم. فجرت بينهم وبين الوزراء مكالمة، ولم يصل الناصر معهم إلى مقصوده. وبلغ ابن لبابة هذا الخبر، فرفع إلى الناصر يغض من أصحابه الفقهاء، ويقول: إنهم حجروا عليه واسعا، ولو كان حاضرا لأفتاه بجواز المعاوضة وتقلدها وناظر أصحابه فيها. فوقع الأمر بنفس الناصر، وأمر بإعادة محمد بن لبابة إلى الشورى على حالته الأولى، ثم أمر القاضي بإعادة المشورة في المسألة، فاجتمع القاضي والفقهاء، وجاء ابن لبابة آخرهم، وعرفهم القاضي ابن بقي بالمسألة التي جمعهم لأجلها وغبطة المعاوضة فيها، فقال جميعهم بقولهم الأول من المنع من تغيير الحبس عن وجهه. وابن لبابة ساكت فقال له القاضي: ما تقول أنت يأبا عبد الله؟ قال: أما قول إمامنا مالك بن أنس فالذي قاله أصحابنا الفقهاء. وأما أهل العراق فإنهم لا يجيزون الحبس أصلا، وهم علماء أعلام يهتدى بهم أكثر الأمة؛ وإذ بأمير المؤمنين من الحاجة إلى هذا المجشر ما به فما ينبغي أن يرد عنه، وله في السنة فسحة، وأنا أقول فيه بقول أهل العراق، وأتقلد ذلك رأيا. فقال له الفقهاء: سبحان الله؛ تترك قول مالك الذي أفتى به أسلافنا ومضوا عليه، واعتقدناه بعدهم وأفتينا به لا نحيد عنه بوجه، وهو رأي أمير المؤمنين ورأي الأئمة آبائه؟ فقال له محمد بن يحيى: ناشدتكم الله العظيم، ألم تنزل بأحد منكم ملمة بلغت بكم أن أخذتم فيها بقول غير مالك في خاصة أنفسكم