وأرخصتم لأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فأمير المؤمنين أولى بذلك، فخذوا به مأخذكم، وتعلقوا بقول من يوافقه من العلماء، فكلهم قدوة. فسكتوا، فقال للقاضي: أنه إلى أمير المؤمنين فتياي. فكتب القاضي إلى أمير المؤمنين بصورة المجلس، وبقي مع أصحابه بمكانهم إلى أن أتى الجواب بأن يأخذ له بفتيا محمد بن يحيى بن لبابة، وينفد ذلك ويعوض المرضى من هذا المجشر بأملاكه بمنية عجب وكانت عظيمة القدر جدا تزيد أضعافا على المجشر. ثم جيء من عند أمير المؤمنين بكتاب منه إلى ابن لبابة هذا بولايته خطه الوثائق، ليكون هو المتولي لعقد هذه المعاوضة. فهني بالولاية، وأمضى القاضي الحكم بفتواه وأشهد عليه وانصرفوا. فلم يزل ابن لبابة يتقلد خطه الوثائق والشورى إلى أن مات سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. قال القاضي عياض ذاكرت بعض مشايخنا مرة بهذا الخبر فقال: ينبغي أن يضاف هذا الخبر الذي حل سجل السخطة إلى سجل السخطة، فهو أولى وأشد في السخطة مما تضمنه. أو كما قال (١). وذكر الباجي في كتاب "التبيين لسنن المهتدين" حكاية أخرى في أثناء كلامه في معنى هذه المسألة، قال: وربما زعم بعضهم أن النظر والاستدلال الأخذ من أقاويل مالك وأصحابه بأيها شاء، دون أن يخرج عنها ولا يميل إلى ما مال منها لوجه يوجب له ذلك؛ فيقضي في قضية بقول مالك، وإذا تكررت تلك القضية كان له أن يقضي فيها بقول ابن القاسم مخالفا للقول الأول، لا لرأي تجدد له، وإنما ذلك بحسب اختياره. قال: ولقد حدثني من أوثقه أنه اكترى جزءا من أرض على الإشاعة، ثم إن رجلا آخر اكترى باقي الأرض، فأراد المكتري الأول أن يأخذ بالشفعة وغاب عن البلد، فأفتي المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك أن لا شفعة في الإجارات. قال لي: فوردت من سفري؛ فسألت أولئك الفقهاء - وهم أهل حفظ في المسائل وصلاح في الدين - عن مسألتي. فقالوا: ما علمنا أنها لك؛ إذ كانت لك المسألة أخذنا لك برواية أشهب عن مالك بالشفعة فيها، فأفتاني جميعهم بالشفعة، فقضى لي بها، قال وأخبرني رجل عن كبير من فقهاء هذا الصنف مشهور بالحفظ والتقدم أنه كان يقول مُعلنا غير مستتر: إن الذي لصديقي علي إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالراوية التي توافقه. قال الباجي: ولو اعتقد هذا القائل أن مثل هذا لا يحل له ما استجازه، ولو استجازه لم يعلن به ولا أخبر