للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

به عن نفسه. قال وكثيرا ما يسألني من تقع له مسأله من الأيمان ونحوها (لعل فيها رواية؟) أو (لعل فيها رخصة) وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة. ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به ولا طلبوه مني ولا من سواي، وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز ولا يسوغ ولا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنه حق، رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه، وإنما المفتي مخبر عن الله تعالى في حكمه، فكيف يخبر عنه إلا بما يعتقد أنه حكم به وأوجبه والله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] الآية؛ فكيف يجوز لهذا المفتي أن يفتي بما يشتهي، أو يفتي زيدا بما لا يفتي به عمرا، لصداقة تكون بينهما أو غير ذلك من الأغراض؟ وإنما يجب للمفتي أن يعلم أن الله أمره أن يحكم بما أنزل الله من الحق فيجتهد في طلبه، ونهاه أن يخالفه وينحرف عنه وكيف له بالخلاص مع كونه من أهل العلم والاجتهاد إلا بتوفيق الله وعونه وعصمته؟ هذا ما ذكره. وفيه بيان ما تقدم من أن الفقيه لا يحل له أن يتخير بعض الأقوال بمجرد التشهي والأغراض من غير اجتهاد، ولا أن يفتي به أحدا. والمقلد في اختلاف الأقوال عليه مثل هذا المفتي الذي ذكر، فإنه إنما أنكر ذلك على غير مجتهد أن ينقل عن مجتهد بالهوى. وأما المجتهد فهو أحرى بهذا الأمر (١).

"فصل"

وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية، حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف، فإن له نظرا آخر، بل في غير ذلك. فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لم تمنع والمسألة مختلف فيها فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع. وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمدا وما ليس بحجة حجة.


(١) الموافقات ٤/ ١٠٠ - ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>