للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حكى الخطابي في مسألة البتع المذكور في الحديث عن بعض الناس أنه قال: إن الناس لما اختلفوا في الأشربة وأجمعوا على تحريم خمر العنب واختلفوا فيما سواه حرمنا ما اجتمعوا على تحريمه وأبحنا ما سواه. قال وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله تعالى المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، قال: ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل للزم مثله في الربا والصرف ونكاح المتعة لأن الأمة قد اختلفت فيها. قال: وليس الاختلاف حجة وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين. هذا مختصر ما قال. والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه، ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ بها عن نفسه، فهو قد أخذ القول وسيلة إلى اتباع هواه، لا وسيلة إلى تقواه وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلا لأمر الشارع، وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه. ومن هذا أيضا جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع في الأقوال، وعدم التحجير على رأي واحد، ويحتج في ذلك بما روي عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما مما تقدم ذكره، ويقول إن الاختلاف رحمة وربما صرح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر والذي عليه أكثر المسلمين. ويقول له: لقد حجرت واسعا، وملت بالناس إلى الحرج، وما في الدين من حرج، وما أشبه ذلك. وهذا القول خطأ كله وجهل بما وضعت له الشريعة. والتوفيق بيد الله. وقد مر من الدليل على خلاف ما قالوه ما فيه كفاية والحمد لله. ولكن نقرر منه ههنا بعضا على وجه لم يتقدم مثله (١).

وذلك أن المتخير بالقولين مثلا بمجرد موافقة الغرض إما أن يكون حاكما به، أو مفتيا، أو مقلدا عاملا بما أفتاه به المفتي.

أما الأول: فلا يصح على الإطلاق، لأنه إن كان متخيرا بلا دليل لم يكن أحد الخصمين بالحكم له أولى من الآخر، إذ لا مرجح عنده بالفرض إلا التشهي. فلا يمكن إنفاذ حكم على أحدهما إلا مع الحيف على الآخر. ثم إن وقعت له تلك النازلة بالنسبة إلى خصمين آخرين فكذلك، أو بالنسبة إلى الأول فكذلك، أو يحكم لهذا مرة ولهذا مرة. وكل ذلك باطل ومؤد إلى مفاسد لا تنضبط بحصر. ومن ههنا شرطوا في


(١) الموافقات ٤/ ص ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>