للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأمصار لذلك وغيره من بيوع الآجال خلافا للقول بالذرائع (١).

فأجاب: إن أردت بما أشرت إليه إباحة أخذ طعام عن ثمن طعام هو جنس مخالف لما اقتضى فهذا ممنوع في المذهب، ولا رخصة فيه عند أهل المذهب كما توهمت. قال: ولست ممن يحمل الناس على غير المعروف المشهور من مذهب مالك وأصحابه؛ لأن الورع قل، بل كاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه. فلو فتح لهم باب في مخالفة المذهب لاتسع الخرق على الراقع، وهتكوا حجاب هيجة المذهب. وهذا من المفسدات التي لا خفاء بها؛ ولكن إذا لم يقدر على أخذ الثمن إلا أن يأخذ طعاما، فليأخذه منهم من يبيعه على ملك منفذه إلى الحاضرة، ويقبض البائع الثمن، ويفعل ذلك بإشهاد من غير تحيل على إظهار ما يجوز. فانظر: كيف لم يستجر - وهو المتفق على إمامته - الفتوى بغير مشهور المذهب، ولا بغير ما يعرف منه؛ بناء على قاعدة مصلحية ضرورية، إذ قل الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى كما تقدم تمثيله. فلو فتح لهم هذا الباب لانحلت عرى المذهب، بل جميع المذاهب؛ لأن ما وجب للشيء وجب لمثله، وظهر أن تلك الضرورة التي ادعيت في السؤال ليست بضرورة.

"فصل"

وقد أذكر هذا المعنى جملة في اتباع رخص المذاهب من المفاسد، سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة؛ كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالا لا ينضبط، وكترك ما هو بمعلوم إلى ما ليس معلوم. لأن المذاهب الخارجة عن مذهب مالك في هذه الأمصار مجهولة، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها. ولولا خوف الإطالة والخروج عن الغرض لبسطت من ذلك، ولكن فيما تقدم منه كاف. والحمد لله (٢).

"فصل"

وقد بنوا أيضا على هذا المعنى مسألة أخرى وهي:


(١) الموافقات ٤/ ص ١٠٥.
(٢) الموافقات ٤/ ص ١٠٦/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>