ثلاثين أو تسعة وعشرين، وعلى دخول الحمام مع اختلاف عادة الناس في استعمال الماء وطول اللبث، وعلى شرب الماء من السقاء مع اختلاف العادات في مقدار الري، فهذان طرفان في اعتبار الغرر وعدم اعتباره لكثرته في الأول وقلته مع عدم الإنفكاك عنه في الثاني. فكل مسألة وقع الخلاف فيها في باب الغرر فهي متوسطة بين الطرفين، آخذة بشبه من كل واحد منهما، فمن أجاز مال إلى جانب اليسارة، ومن منبع مال إلى الجانب الآخر.
ومن ذلك مسألة زكاة الحلي، وذلك أنهم أجمعوا على عدم الزكاة في العروض وعلى الزكاة في النقدين فصار الحلي المباح الاستعمال دائرا بين الطرفين، فلذلك وقع الخلاف فيها. واتفقوا على قبول رواية العدل وشهادته، وعلى عدم قبول ذلك من الفاسق، وصار المجهول الحال دائرا بينهما، فوقع الخلاف فيه. واتفقوا على أن الحر يملك، وأن البهيمة لا تملك، ولما أخذ العبد بطرف من كل جانب اختلفوا فيه: هل يملك أم لا؟ بناء على تغليب حكم أحد الطرفين. اتفقوا على أن الواجد للماء قبل الشروع في الصلاة يتوضأ ولا يصلي بتيممه، وبعد إتمامها وخروج الوقت لا يلزمه الوضوء وإعادة الصلاة، وما بين ذلك دائر بين الطرفين، فاختلفوا فيه. واتفقوا على أن ثمرة الشجرة إذا لم تظهر تابعة للأصل في البيع، وعلى أنها غير تابعة لها إذا جذت، واختلفوا فيها إذا كانت ظاهرة. وإذا أفتى واحد وعرفه أهل الإجماع وأقروا بالقبول فإجماع باتفاق، أو أنكروا ذلك فغير إجماع باتفاق، فإن سكتوا من غير ظهور إنكار فدائر بين الطرفين فلذلك اختلفوا فيه. والمبتدع بما لا يتضمن كفرا من غير إقرار بالكفر دائر بين الطرفين؛ فإن المبتدع بما لا يتضمن كفرا من الأمة، وبما اقتضى كفرا مصرحا به ليس من الأمة، فالوسط مختلف فيه: هل هو من الأمة أم لا؟ وأرباب النحل والملل اتفقوا على أن الباري تعالى موصوف بأوصاف الكمال بإطلاق، وعلى أنه منزه عن النقائص بإطلاق، واختلفوا في إضافة أوصاف أمور إليه بناء على أنها كمال، وعدم إضافتها إليه بناء على أنها نقائص، وفي عدم إضافة أمور إليه بناء على أن عدم الإضافة كمال، أو إضافتها بناء على أن الإضافة إليه هي الكمال وكذلك ما أشبهها (١).