"من ذاك" الذي ذكر منها هنا الاشتراك وهو على ثلاثة أقسام. أحدها "الاشترك" الواقع في الألفاظ والموجب للتأويلات المختلفة فيها "في" حال "الإفراد" والانفصال لها عن التركيب وذلك كالاشتراك الواقع في لفظ القرءان وفي لفظ "أو" الواقع في قوله - تعالى - {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}[المائدة: ٣٣]، ثانيها: الاشتراك الواقع فيها - أي الألفاظ - من جانب "جهة" ما يعرض لها بموجب "التصريف" لها من الأحوال والوجوه المحتملة وذلك كلفظة "لا تضار" في قوله - تعالى - {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}[البقرة: ٢٣٣] ولفظة "لا يضار" في قوله - سبحانه -: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}[البقرة: ٢٨٢]، "و" ثالثها: الاشتراك الواقع فيها من جهة "الإسناد" والتركيب.
وذلك نحو:"يرفعه" في قوله: - تعالى - {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: ١٠] فإن اختلف في الرافع هنا - فاعل رفعه - فقيل هو الله - تعالى - وقيل هو الكلم، ونحو الضمير في (قتلوه) في قوله - تعالى -: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}[النساء: ١٥٧] فقيل الضمير لعيسى - عليه السلام - وهو الراجح، وقيل للعلم.
هذا هو السبب الأول "و" السبب الثاني "دوران اللفظ" بحكم حاله في الكلام ومعناه بين أن يكون مستعملا "في الحقيقة" يعني في حقيقته "و" أن يكون مستعملا في "عكسها" وهو المجاز، "و" هذا السبب يتبع السبب الأول و"يقتفي طريقه" من حيث أنه مقسوم - كذلك - إلى ثلاثة أقسام: أحدها: ما يرجع إلى اللفظ المفرد، نحو "ينزل ربنا" في حديث النزول، و"نور" في قوله - تعالى -: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[النور: ٣٥].
ثانيها: ما يرجع إلى أحواله - أي اللفظ - كالإضافة في قوله - تعالى -: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[سبأ: ٣٣]، ولم يبين في هذا التركيب، وذلك كإيراد الممتنع بصورة الممكن، والممكن بصورة الممتنع كلفظ قدر في قوله ذاك الذي أوصى بأن يحرق بعد موته:"لئن قدر الله علي ليعذبني".