وذلك "تأسيا" منهم "في ذاك بالآباء" يعني بآبائهم قال - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}[البَقَرَة: ١٧٠]، وما أشبهه من الآيات. وقالوا:"أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب" ثم كرر عليهم التحذير من ذلك، فكانوا عاكفين على ما عليه آباؤهم إلى أن نوصبوا الحرب، وهم رضوان بذلك، "وعند هذا" الذي هم عليه من التأسي والاقتداء بآبائهم "جيء بالدعاء" لهم "إلى" الاقتداء و"التأسي بالأب الكبير" وهو إبراهيم خليل الرحمان - عليه السلام -، وأضيفت الملة المحمدية إليه، فقال - تعالى -: {مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ}[البَقَرَة: ١٣٠] وكان ذلك رحمة من رب العالمين و"تلطفا بحكمة" العليم "الخبير" اللطيف بعباده، (وبين لهم مع ذلك ما في الإسلام من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم التي كانت آباؤهم تستحسنها، وتعمل بكثير منها فكان التأسي داعيا إلى الخروج عن التأسي وهو من أبلغ ما دعو به من جهة التلطف بالرفق ومقتضى الحكمة وبذلك جاء في القرآن بعد قوله:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[النحل: ١٢٣] وقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل: ١٢٥] فكان هذا الوجه من التلطف في الدعاء إلى الله نوعا من الحكمة التي كان عليه الصلاة والسلام يدعو بها وأيضا فإن ما ذكر في القرآن من مكارم الأخلاق كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدق الفعل القول بالنسبة إليهم "فكان ذاك سبب" هدايتهم وحصول الخضوع منهم للحق و"الإذعان" له "والكف عن عبادة الأوثان" والأصنام التي يعبدونها من دون الله - تعالى - "و" الموضوع الثاني "عند" ما دخلوا في الإسلام، وعرفوا الحق فحصل "سبقهم" وتسابقهم "إلى الخيرات" الموعودة من رب العالمين - سبحانه وتعالى - كما حصل "وأخذهم" في الأعمال "بأكمل الحالات" وأعلى الدرجات)، فكان منهم الإنقياد التام لأوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه، فربما أمرهم بالأمر وأرشدهم إلى ما فيه صلاح دينهم، فتوجهوا إلى ما يفعل ترجيحا له على ما يقول وقضيته عليه الصلاة والسلام معهم في توقفهم عن الإحلال بعد ما