أمرهم حتى قال لأم سلمة أما ترين أن قومك أمرتهم فلا يأتمرون فقالت اذبح واحلق ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعوه ونهاهم عن الوصال فلم ينتهوا واحتجوا بأنه يواصل فقال إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ولما تابعوا في الوصال واصل بهم حتى يعجزوا وقال لو مد لنا في الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم وسافر بهم في رمضان وأمرهم بالإفطار وكان هو صائما فتوقفوا أو توقف بعضهم حتى أفطر هو فأفطروا وكانوا يبحثون عن أفعاله كما يبحثون عن أقواله وهذا من أشد المواضع على العالم المنتصب وقد تقدم له بيان آخر في باب البيان لكن على وجه آخر والمعنى في الموضعين واحد ولعل قائلا يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما فكان عمله للاقتداء محلا بلا إشكال بخلاف غيره فإنه محل للخطأ والنسيان والمعصية والكفر فضلا عن الإيمان فأفعاله لا يوثق بها فلا تكون مقتدى بها فالجواب أنه إن اعتبر هذا الاحتمال في نصب أفعاله حجة للمستفتي فليعتبر مثله في نصب أقواله فإنه يمكن فيها الخطأ والنسيان والكذب عمدا وسهوا لأنه ليس بمعصوم ولما لم يكن ذلك معتبرا في الأقوال لم يكن معتبرا في الأفعال ولأجل هذا تستعظم شرعا زلة العالم كما تبين في هذا الكتاب وفي باب البيان فحق على المفتي أن ينتصب للفتوى بفعله وقوله بمعنى أنه لا بد له من المحافظة على أفعاله حتى تجري على قانون الشرع ليتخذ فيها أسوة (١).
"ومثل حكم الفعل" فيما ذكر يعطى "للإقرار" وذلك "لأنه" أي الإقرار "كف" للنفس "عن الإنكار"، والكف فعل على القول الصحيح، "وبذلك فانكفاف المفتي عن الإنكار إذا رأى فعلا من الأفعال كتصريحه بجوازه وقد أثبت الأصوليون ذلك دليلا شرعيا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك يكون بالنسبة إلى المنتصب بالفتوى وما تقدم من الأدلة في الفتوى الفعلية جار هنا بلا إشكال ومن هنا ثابر السلف على القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يبالوا في ذلك بما ينشأ عنه من عود المضرات عليهم بالقتل فما دونه ومن أخذ بالرخصة في ترك الإنكار فر بدينه واستخفى بنفسه ما لم يكن ذلك سببا للإخلال بما هو أعظم من ترك الإنكار فإن ارتكاب خير الشرين أولى من ارتكاب شرهما وهو راجع في الحقيقة إلى إعمال القاعدة في الأمر